للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخلاصه القول في كل ما سبق: إن قضية نسبة الخلق إلى غير اللَّه وتسمية غير اللَّه خالقًا ما هو إلّا اقتباس من الوثنيات اليونانية الإغريقية، التي قامت على تعدد الأرباب، وهؤلاء الذين يزعمون الانعتاق من التقليدية والنمطية والماضوية "حسب تعبيراتهم" نجدهم بكل صراحة يرتمون في تقليد الهوس الوثنيّ والخبال الأسطوريّ، ثم يزعمون بعد ذلك أنهم قد قطعوا شوطًا في التقدم والارتقاء، وذلك بـ (إحلال التنوع والتمايز مكان الواحدية وإحلال المتغيرات مكان الثوابت وفك الاشتباك بين الطبقات والمؤسسات والعقائد) (١).

فلا غرابة حينئذٍ أن تجد هؤلاء التلاميذ البررة للفكر الغربىّ يرددون مقولات أساتذتهم وينقلونها نقلًا مترجمًا إلى لغة العرب.

ومن هذا المنطلق تجدهم يحاربون الوحدانية ويشيدون بالوثنية ويعتبرون اعتقاد التوحيد والوحدانية في خلق العالم وفي نظام الحياة سببًا للتردي والضعف والخمول والرجعية، ويعدون التعدد الإلهيّ الوثنيّ سببًا للتقدم والازدهار (٢).

وعلى هذه القاعدة الإلحادية الجوفاء سار الحداثيون في التنظير والممارسة، وسوف أسرد فيما يلي بعض الشواهد على هذه القضية:

ولتكن البداية مع كاهن الحداثة "أدونيس" القائل في وصف ثورة أهل الهدم الحداثيّ:

(بلى في بلادي خالقون

وساع كآفاقها الواسعة

نقيون كالشمس في عريها

فتيون كالأنجم الطالعة. . .


(١) مجلة الناقد، عدد ٩، مارس ١٩٨٩ م/ الموافق ٥/ ٨/ ١٤٠٥ هـ: ص ١٧.
(٢) انظر في هذا: حداثة السؤال، لمحمد بنيس: ص ٤٤، ٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>