صحيح أن العبيد في ظل الديمقراطية الليبرالية هم في أحسن حال وجد فيه العبيد في أية جاهلية من جاهليات التاريخ بسبب طبيعة الرأسمالية الحرة، التي عجز أصحابها عن تحقيق الربح والمآرب الأخرى إلَّا عن طريق إعطاء قسط محدود من الحرية.
ولكن هذا لا يغير من حقيقة أنهم عبيد ينفذون بطوعهم أوامر الأسياد، ويمثلون الدور المطلوب منهم على خشبة المسرحية الديمقراطية.
وكل حكم بغير شرع اللَّه -مهما تسمى من أسماء واتخذ من شارات- هو في الحقيقة يقسم الناس إلى أسياد وأرقاء، إلى أرباب يشرعون ويحكمون وينفذون ما حكموا به وعبيد يطبق عليهم الحكم والتشريع وينفذون ما طلب منهم.
ولا خلاص من هذه الهاوية إلَّا بالعبودية الخالصة الكاملة للَّه تعالى، العبودية التي منها تنبثق حرية البشر، وبها تلغى الطواغيت والأرباب ويتحرر الناس من العبوديات المختلفة والمتشاكسة، ليكونوا عبيدًا للَّه وحده دون سواه.
أمَّا كيف أصبحت الرأسمالية هي المعبود والمشرع والحاكم والمنفذ والمتحكم، فتلك قصة طويلة، أهم مقاطعها كما يجري في الواقع اليوم:
تقول الديموقراطية إن الفرد حر حرية كاملة، يتخذ قراره دون ضغط وإكراه، ويعبر عن رأيه بحرية تامة، ويدعو لرأيه بكل ما يستطيع من وسائل الدعاية، ويختار المرشح الذي يمثله في البرلمان الذي يشرف على أعمال الحكومة ويهيمن على تصرفاتها، هكذا تقول الدعاية الديمقراطية (١)، وحين نتأمل الحقيقة، ونرى من الذي يصوغ لهذا الفرد أفكاره؟ من الذي يشكل "الرأي العام" الذي يوجه هذا الفرد لاتخاذ قراره؟ واختيار مرشحة؟.
إن الذين يقوم بذلك "وسائل الأعلام" من صحافة وإذاعة وتلفاز وسينما وأفلام ومراكز بحث ومؤلفات، فمن الذي يملك وسائل الإعلام؟ إنها الرأسمالية.
(١) انظر: النشرة التي كتبتها وكالة الإعلام الأمريكية بعنوان "ما هي الديمقراطية": ص ٢ - ٦.