وهذه هي الحداثة، ومن خالفها فهو المتخلف، ومن عارضها فهو رجعيّ متجمد.
ثم يأتي بعد ذلك مغرور جاهل يدافع عن هؤلاء وأضرابهم ويزعم أنهم مجرد أدباء يسعون لتحديث أساليب وأشكال الأدب، وأنه يُمكن الجمع بينهم وبين أهل الإسلام، بل بعضهم يرى أنه يُمكن الجمع بين عقائدهم الحداثية والإسلام، على طريقة الذين يقولون:{إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا}(١).
رغم أن الحداثيين بسائر دركاتهم يجمعون على عدة أمور هي عندهم بمثابة الأساس لمنطلقهم الفكريّ والعقديّ، منها على سبيل المثال النقد الجذريّ للدين والأخلاق، فمنهم من يدعو إلى النقد الهدام صراحة ومنهم من يلبس مراده بعبارات خادعة موهمة على طريقة دعاة الباطنية القدماء؛ لأنه لو صرح في بيئته أو مجتمعه لرفض وحورب.
أمّا من كان في مجتمع أو بيئة قابلة للتصريح، فإنه لا يتردد في ذلك، فها هو أدونيس يصول ويجول بأقواله الكفرية دون أدنى رقيب، ويسخر ويستهزئ، ويهدم ويسعى لتدنيس كل مقدس عند المسلمين كما في الأقوال السابقة ذكرها، وكما في كتابه الثابت والمتحول حين يتحدث عن نيتشه وجبران بإعجاب ومحبة فيقول: (كل نقد جذريّ للدين والفلسفة والأخلاق يتضمن العدمية ويؤدي إليها، وهذا ما عبر عنه نيتشه بعبارة "موت اللَّه"، وقد رأينا أن جبران قتل اللَّه هو كذلك -على طريقته- حين قتل النظرة الدينية التقليدية إليه، وحين دعا ابتكار قيم تتجاوز الملاك والشيطان أو الخير والشر، والواقع أننا بعد أن ننتهي من قراءة المجنون نشعر أن ثمة تاريخ من القيم ينتهي.
ومن الواضح أن جبران لا يحلل تحليلًا فلسفيًا أو علميًا القيم التي يهدمها، وإنّما يعرضها بشكل يجعلها مشبوهة، فمتهمة، فمرفوضة، إنه