ولكونه عالج مشكلات الانحراف الاعتقاديّ والعمليّ منذ أول وهلة في صراعه مع الكفر والشرك والإلحاد والوثنية، وكشف عوار هذه الانحرافات التي أوبقت الإنسان وردته في أسفل سافلين، ولكون الإسلام يحتوي على القوة البرهانية الدامغة، ويتحدى بقوة حقيقية كل ألوان وأشكال الزيف والردة والانحطاط.
فصراع الحداثة مع الإسلام ليس إلّا امتدادًا للصراع القديم بين الإسلام والكفر والإيمان والجاهلية، وحزب الرحمن وحزب الشيطان، والذي يتصور الصراع على غير هذا الوجه وبغير هذه المثابة واهم أو جاهل أو مغرض، لايعرف الحقيقة على وجهها، أو يعرفها ويتجاهلها.
وأكبر دليل على ذلك أنك تجد أشد شيعة الحداثة عتوًا، ركزوا جهدهم منذ البداية على نسف الحقائق الأولية لدين الإسلام، الربوبية والألوهية على وجه الخصوص، ثم النبوة والوحي والغيبيات، فها هو أحدهم يتحدث بطريقة تقريرية خطابية قائلًا:(ما عاد الإنجاز يقاس بالانسجام مع مفاهيم غيبية بل مع عمل يتجه صوب أهداف موضوعية عقلانيًا، وفي إيجاز فإن السلوك بدأ يقاس في ضوء قيم جديدة. . . فالإنسانية إذًا هي خالدة وحدها دون سواها، مستبدلًا بفكرة الألوهية فكرة البشرية كما فعل كونت)(١).
وهكذا بكل ادعائية يقرر أن السلوك الإنسانيّ بدأ يقاس في ضوء قيم جديدة هي القيم المادية الإلحادية بعيدًا عن الغيبيات وبعيدًا عن الألوهية التي ذهبت -على حد زعم الكاتب- وجاء بديلًا عنها فكرة تأليه الإنسان؛ لأن الإنسانية خالدة!!.
إنه التبشير المنحط بعقيدة دنيئة أنتجتها الصليبية والصهيونية والماسونية والعلمانية، لإسقاط شباب الأمة في مطحنة الضياع والتيه، وتذرية الأمة
(١) المثقفون العرب والغرب لهشام شرابي نقلًا عن قضايا وشهادات ٢/ ١٨ من مقال لسعد اللَّه ونوس بعنوان "بين الحداثة والتحديث".