والمذهب الإنسانيّ الذي تتبناه الحداثة وتدعو إليه وتتخذه إلهًا من دون اللَّه هو الفرع الفلسفيّ للشجرة المادية الغربية، وقد اقتطعه الحداثيون والعلمانيون وجاءوا به إلى بلاد الإسلام؟ ليستنبتوه كما استنبتوا من قبله الفلسفات الأخرى كالوجودية والماركسية والقومية والوطنية.
إن الحداثة في توجهها إلى النزعة الإنسانية واتخاذها قاعدة ومنطلقًا لا تبتعد عن الأرض التي تجمع بينهما أرض المادية الكافرة الملحدة، ومن طبائع الأمور أن تجد هذا النحو من الاشتراك والتداخل والتشابك.
والشأن هنا في هذا النظام المعرفيّ الماديّ، الذي يراد له أن يكون الرائد والموجه الفكريّ والثقافيّ في أوطان المسلمين، ولعقول أبناء أمة الإسلام.
إن الاختناق العقليّ الإلحاديّ الذي تعيشه أوروبا بعد سلسلة طويلة من الزيغ والانحراف أمر له ما يبرره نظريًا، ولكن الأمر الذي لا يفهم إلّا على أنه مؤامرة مقصودة هو نقل هذه الفضلات الفكرية إلى أمة لديهما حقائق اليقين بالبرهان لا بالادعاء، وبالتذوق والتخلق، لا بمجرد الانتساب.
ولنأخذ على ذلك مثالًا بسيطًا، وهو ما نشاهده اليوم بين المسلمين من بقايا أخلاق وثوابت عقيدة، رغم ما لدى المسلمين من ضعف فيها، إلّا أن أجهل المسلمين خير من كثير من علماء المادية الغربية الذين لا مانع عند أحدهم أن يكون ولده شاذًا وابنته زانية، بل ربّما كان هو يمارس الشذوذ وزنا المحارم، وإذا نزلت به نازلة انتحر، والمسلم لا يفعل ذلك مهما انحطت درجة التزامه بالإسلام، نعم لقد تقدموا في النواحي المادية، ولكن أمتنا خير من أمة الغرب مهما تأخرت ماديًا، وأولئك شرٌّ منا مهما حققوا من تقدم ماديّ، ويكفي أن يطلع المنصف على حقيقة الغرب الاستعمارية الظالمة، وتسلطه المباشر وغير المباشر، وظلمه الموزع على بقاع الأرض، وخاصة على المسلمين، وما أحداث البوسنة والشيشان وفلسطين وكشمير والسودان إلّا أمثلة على الطغيان والظلم الغربيّ، أمّا الأمراض الاجتماعية والنفسية والفكرية فالحديث عنها قد امتلأت به الكتب والصحف الغربية المهتمة بهذا الشأن.