للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلمانيين مؤمنون حقيقيون، ولكنه ليس إيمان التبعية والجهل، وإلّا كيف نفهم أن رائد الفضاء الأمريكيّ يصعد إلى عربته الفضائية يدور في الفلك الكونيّ وهو يعلق في صدره صليب إيمانه، وفي أوروبا فصلت الحداثة بين الدين والمجتمع المدنيّ، ولكنها لم تلغ الدين ولم تقض عليه، فقط كل يمارس طقوسه وشعائره كما يهوى ويريد، وربّما لا يمارسها، ولكن توقف الدين عن فرض سيطرته وتشريعاته على الحياة السياسية والاجتماعية العلنية هي الموقف الحر للروح أمام مشكلة المعرفة) (١).

إن خطاب المغالطة والتدليس الذي يميز اللهجة الحداثية العلمانية يبدو بارزًا عند اصطدامهم ببراهين الإسلام وحقائقه اليقينية، ويظهر معها مقدار التبعية للغرب إلى حد يجعل من المكابرة للحس والواقع والعقل والتاريخ شيئًا سائغًا عند هؤلاء.

وإلّا فأين الدراسات الموضوعية التي بناءً عليها يجب التفريق بين دين محرف ودين سليم قويم، وبين مجتمع وتاريخ عاش حياة البؤس تحت هيمنة أديان خرافية وجذور وثنية، ومجتمع وتاريخ عاش حياة الحق والخير والعدل والفضيلة؟!.

وأعجب ما في هذا الخطاب الممسوخ أن أصحابه شكلوا من أنفسهم قضاة ومفتين في أمور الإسلام والمسلمين وهم يلبسون عباءة أبي لهب ويمتشقون طيالسة الكنائس والبيع.

وإن من نفي خصائص الألوهية هذا الزعم الافترائيّ القائم على احتقار الدين والزعم بأن (الأديان بدأت تتقلص تقلصًا سريعًا عن كثير من البلدان حتى أنه لم يعد يدين بالأديان سوى ثلث سكان العالم: أي أن ثلثي سكان العالم حسب أحدث نظرية فقهية عن النار، مآلهم جهنم خالدين فيها أبدًا) (٢).


(١) قضايا وشهادات، العدد الثاني صيف ١٩٩٠ م/ ١٤١٠ هـ: ص ١٠٣ من مقال لأنيسة الأمين.
(٢) مسافة في عقل رجل: ص ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>