للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكفر والوثنية هي أصل التعددية والحرية الثقافية والإبداعية، فإنهم ما فتئوا يكررون هذا المعنى في عبارات عديدة منها قول أحدهم: (ثالث الأساسيات الثقافية الموروثة هو افتقاد الحرية، فكما أن الإنسان لا يمتلك من أمره شيئًا أمام القوة المهيمنة للنموذج/ للماضي/ للَّه/ لقوى اللاوعي الغامض/ للقدر، فهو أيضًا لا يمتلك من أمره شيئًا أمام رموز هذه الجواهر على الأرض، الحاكم أو الرئيس أو الملك أو النظام، فكل هذه الرموز تمثل العلاقات المعطاة مسبقًا) (١).

وهو المعنى ذاته الذي قرره أدونيس في كتابه زمن الشعر في قوله: (ومن هنا يبدو مقياس الشعر الثوريّ العربيّ في مدى رفضه الموروث أنه الشعر الذي يعلن موت كل ما يميت الإنسان، وهو في ذلك لا يقتل الآلهة وحسب، وإنّما يقتل كذلك كل من يحاول أن يحتل كرسيها أو يأخذ دورها سواء كان سلطانًا أو نظامًا أو إيديولوجية) (٢).

وهذه الثورة الحداثية تستهدف أول ما تستهدف دين اللَّه تعالى، وتعزز أول ما تعزز إلحادًا في ثوب تحديث، وانحرافًا رداء إبداع، وهي الثورة المحطمة لكل المقومات الأساسية في حياة المسلمين.

وهذا ما قام بتوصيفه إحسان عباس في معرض حديثه عن مضامين الثورة الحداثية حيث قال: (. . . الثورة حين تعتمد التحطيم ترتبط بالإخافة لمن لا يقدرون على تصور كل نتائجها، وهؤلاء يخشون إلى درجة الرعب انهيار سلطة الأب وتفكيك نظام العائلة، وبالتالي تقشعر نفوسهم من التحدي للسماء، ذلك أن إنسانية الإنسان -دون أي شيء آخر- تعني فيما تعنيه إشاحة الوجه عن كل ما هو وراء الغيب، وهذه سمة بارزة في الشعر الحديث، ولا يخفف من وقعها أن نحتال لها بالتفسيرات والتوجيهات، هل الشاعر من حزب الشيطان؟ لو كان الأمر كذلك لكان يدخل حربًا خاسرة، ولكنه من حزب الإنسان، وهذا يعني أن الإنسان هو القيمة الوحيدة في هذا


(١) بحثًا عن الحداثة: ص ٦٧.
(٢) زمن الشعر: ص ١١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>