للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعند النظر في النتاج الفكريّ والأدبيّ لأهل الحداثة نجد أنهم قد اغترفوا من مستنقع الشرك والتأليه لغير اللَّه بأوسع المغاريف، وضربوا حوله بعطن، وعلّوا ونهلوا من ذلك الخوض الآسن، وكان هذا دأبهم من أول روادهم إلى آخر أتباعهم، فقد استخفوا بلفظ "الإله" ومعناه، وقادهم هذا الاستخفاف إلى تأليه كل ما يخطر في بالهم من الإنسان والحيوان والأشياء، والشعر والكلام، وغير ذلك.

ومنبع انحرافهم في هذا: أنهم جحدوا حق اللَّه تعالى في الألوهية، وبعضهم لم يجحد حق اللَّه تعالى في الألوهية ولكنه يجحد حقه المطلق في ذلك، فلا يفرده -جل وعلا- بهذا بل يدخل معه في هذا الوصف من شاء من المخلوقات، وكلا الأمرين كفر وانحراف وضلال مبين، قال اللَّه تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (١٦٣)} (١)، وقال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} (٢)، وكل قول أو اعتقاد يناقض هذه الحقيقة فهو جهل وانحراف وضلال مبين.

ومنذ أن بدأت الحداثة العربية على يد السياب ونازك الملائكة والبياتي رتعت في هذا المرتع الوخم، واستفّت ترب الخزي والعار والجهل، وسوف أورد هنا بعض الأمثلة من كلامهم في هذا:

ولتكن البداية من السياب أول من شق طريق التبعية للغرب ونشر أشرعة الحداثة، والذي وصفه أدونيس بقوله: (بدر شارك السياب من شهودنا الأُول على الحضور؛ ولادة محتوى جديد، وولادة تعبير جديد. . . تجربة السياب مع ذلك ريادة: بدءًا منها ومعها أخذ ينشأ الشعر العربيّ الجديد في وسط تعبير جديد، وهو الآن من القوة والسيادة بحيث أنه يبدو إبداعًا مستمرًا) (٣).

والسياب إذا أردنا أن نعرفه فهو منذ النشأة الريفية في جنوب


(١) الآية ١٦٣ من سورة البقرة.
(٢) الآية ١٩ من سورة محمد.
(٣) زمن الشعر: ص ٢١٢ - ٢١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>