للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أجاب قائلًا: (أقصد أنه تغيير للحياة لا لأشكال الشعر وتراكيب الكتاب فحسب. . . وعندما سماه الأقدمون لغة الآلهة لم يقصدوا رفعة شأنه الجمالي فحسب، بل قدرته وفعله الحقيقيان الحسيان في الزمن والعالم ولم يتردد هيجل نفسه في تبني تسمية الأقدمين ولكن صوره إذ قال: الشعر هو الفن الإلهي، من أين هذا الإلحاح على ألوهية الشعر؟ أو على شيطانيته كما فعل العرب؟، هل لأنه يرى ويتنبأ ويحدس فقط؟ لا أعتقد أظنه من قدرة له فائقة) (١).

ولطالما ردد هؤلاء هذه النغمة المنحطة التي تبدأ من تأليه الإنسان وتمر بتأليه الشاعر وتنتهي بتأليه الحداثة وأهلها في جو من التقمص البليد لأراء وأفكار الغرب (فقد تحول الإنسان في الفكر الأوربي الحديث: المادي والمثالي إلى إله يخلق ويعبد) (٢).

ولما بدأت حركة التغريب والاقتداء بالغرب في بلاد المشرف الإسلامي بدأت معها قضية الانحرافات الاعتقادية والفكرية، وللتدليل على هذا ننقل ما ذكرته مجلة أبولو اللسان الناطقة بلسان أول تجمع أدبي على النمط الأوربي في بلاد العرب، فكان مما قالته: (ليكن مذهبنا الخالد أن الشعر للشعر، وبعد ذلك ليكن الباعث الشعري للشاعر على طبع آثاره هو مجرد حنينه إلى الاندماج في الإنسانية إذا ما استوعبت شعره، كذلك حب الحياة لنفسه الفنية. . . يدعوه إلى إذاعة هذه الآثار لأنه يشعر بوجدانه أنها أغلى شطر من نفسه، بل أكثر من ذلك، فهو يضع نفسه في صف الآلهة بما يخلقه من آثار فنية، ونشرها يعزز ارتياحه إلى أنه روح خالد في الوجود. . . .) (٣).


(١) قضايا الشعر الحديث: ص ٣١٩.
(٢) في النقد الحديث دراسة في مذاهب نقدية حديثة وأصولها الفكرية د/ نصرت عبد الرحمن: ص ١٨٤ هامش رقم ٢٠.
(٣) أبولو - العدد العاشر يونيو ١٩٣٣ م/ ١٣٥١ هـ: ص ١٠٩٣ - ١٠٩٤. نقلًا عن قضايا وشهادات ٣/ ١٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>