وهذا القول ليس إلّا ترجمة لفكرة غربية أوروبية بعيدة كل البعد عن دين المسلمين وثقافتهم وعقيدتهم بل مضادة كل المضادة لذلك، ومن هنا بدأت أفواج الاقتداء بالغرب المادي فكرًا وفلسفة ونظام حياة.
ولم يكن يخطر على بال أحد من المسلمين من قبل أن يعتز بالوثنية، أو يمتدح الجاهلية، أو يسير على خطى اليونان والإغريق في تأليه غير اللَّه وعبادة غيره -جلَّ في عُلَاهُ-.
ولكن هؤلاء دخلوا على المسلمين من باب الأدب والفكر والثقافة وخلبوا عقول الإمّعَات وساعدهم في ذلك جهل كثير من المسلمين بدينهم، وقصور كثير من علماء المسلمين في الأعصر الأخيرة عن مناقشة وفضح خطط وأساليب وطرائق الإلحاد المغلفة بالفلسفة حينًا وبالعلوم التطبيقية حينًا وبالأدب والنقد في أحيان كثيرة.
هذه العقائد الضالة التي طرحتها المجلات والصحف والمجامع الأدبية أصبحت على طول المدى من الأمور المعتادة ومن المواطن المرتادة بلا نكير، بل يأتي النكير على من أنكرها أو عارضها أو ناقشها، ففي قضيتنا التي نتحدث عنها وهي تأليه الشاعر والشعر والحداثة، وهي فرع عن الانحراف الأصلي وهو تأليه غير اللَّه تعالى والإشراك به -عَزَّ وَجَلَّ-؛ نجد أن من المسلمات الحداثية في شعرهم ونقدهم إطلاق مثل هذا المعنى المنحرف هكذا بدون أي تردد أو تحفظ أو احتياط، وقد ذكرنا أمثلة عديدة لذلك فيما مضى، ومثل قول أحد النقاد الحداثيين:(عندما يرى الشاعر الحديث إلى نفسه ذاتًا إلهية مكتفية بذاتها، يتضاءل العالم، يصير العالم فقيرًا وتصير المعارك الاجتماعية هشة وفي غير ساحتها، فخير للشاعر أن يظل في عليائه، مبتعدًا عن معارك العالم، وضرورات تغييره، فغنى الشاعر الحديث لا يأتي من هذا العالم الفقير، بل من ذات الشاعر نفسه المكتفية بذاتها)(١).
(١) قضايا وشهادات ٣ شتاء ١٩٩١ م/ ١٤١١ هـ: ص ٢٠٨ من مقال لمحمد دكروب بعنوان محنة الشعر العربي الحديث.