للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المجاعة وفترات الأوبئة أن يرفع عنهم البلاء، وإذا كان الأقل إيمانًا والعاصون يلجأون -فطريا- إلى اللَّه -سبحانه وَتَعَالى- في أوقات الشدة، وهذا اللجؤ من طبيعة الإنسان، ويمسكون عن المعصية، ويأخذون في الاستغفار أملًا في عفو اللَّه ورحمته المنقذة، فإن مريدي العم مصطفى من صنف آخر، ليس فيه المؤمنون ولا حتى الفاسقون، فهم يعرضون عن ذكر الإله ولا يعبأون بالموت، وكأنهم استغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارًا، إذ يتفجر انحرافهم ويعربد فكرهم في أعلى صورة، وتبتديء آثار العم مصطفى وقد بلغت عرامها، فيخرج من بين الصفوف "خليل" حفيد العم مصطفى ليكون امتدادًا له، ليس في النسب وحسب بل في الكفر والتمرد والطغيان، فقد تضخم ما زرعه فيه جده واشتد، وتحولت الثورة الصامتة إلى ثورة صاخبة، وتحولت ألفاظ التهجم على الألوهة إلى تحد ودعوة -قميئة- للمنازعة والصراع، فخليل تحت تأثير موت جده وعام الجوع ينفجر بأعلى صور النقمة التي تدور في نفوس مريدي العم مصطفى، ويرفع إلى السماء زنده المفتول، والزند المفتول إشارة واضحة إلى الاغترار بالقوة وإلى التحدي، والإقدام على الخصومة والمصارعة.

ولا يكتفي الشاعر بهذه الصورة القذرة، بل ينهي القصيدة بلقطة سريعة أشد كفرًا وقذارة. . فخليل الذي يرفع زنده متحديًا السماء. . ينظر أيضًا "باحتقار" يموج -انظر ما توحي به لفظة يموج من قدر كبير- بين عينيه. . والاحتقار موجه إلى اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-!! تعالى اللَّه عما يأفكون. . .

ولا شك أن هذه الصورة أثر من آثار تخبط الشاعر وتأثره بالصورة القاتمة التي بثها الأدب اليوناني القديم للقدر، وبالصور التي نمت -بتأثيرها- في الآداب الأوربية في ظل موجات الإلحاد والتمزق والاضطراب) (١).

وعند صلاح عبد الصبور من هذه التصورات ما يكفي للدلالة على مدى محاكاة أهل الحداثة -ممثلة في متبوعيها- للملل والنحل والعقائد الكافرة


(١) مقدمة لنظرية الأدب الإسلامي: ص ٧٦ - ٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>