للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القضية عقيدة لديهم لما دافعوا عنها ونافحوا وألفوا فيها ونشروا.

ومن هذا كله يتبين لنا أن التركيز على المصادر الفكرية للأدب من أوجب أولويات الدراسة الهادفة، فالحديث عن الجانب الفكريّ والاعتقاديّ مقدم عن الحديث عن الجانب الفنيّ والجماليّ في الأدب.

والأدب العربي المعاصر -وأعني الأدب الحداثي على وجه الخصوص- نموذج من نماذج التعبير عن العقائد الجديدة المستوردة من الغرب، وصورة من صور الغزو الثقافيّ والارتكاس الفكريّ، وإذا كان الأدب في الماضي لسانًا ناطقًا عن عقيدة ما، فإن أدب الحداثة أضحى عقيدة قائمة بذاتها، وإن كانت هذه العقيدة تضم لفيفًا من المعتقدات والتصورات، بدءًا بالوثنيات اليونانية وانتهاء بالمذاهب المادية المعاصرة.

إنه الصورة الأكثر وضوحًا وإيلامًا لحالة الانتكاس والاستلاب الذي تعيشه الأمة في هذا العصر، ولذلك نجد الأدباء حين يفزعون إلى أقلامهم معبرين عن هذه الحالة، يعبرون عن موقفهم الاعتقادي من هذا الوضع، وعن آمالهم المستقبلية.

فالأديب المسلم يستمد معاييره وأسس تفكيره من الوحي المعصوم، ويستند إلى تراث تاريخيّ وحضاريّ كبير، ويرى أنه لايصلح آخر هذه الأمة إلّا بما صلح به أولها، وينادي بالاستقلال الفكريّ والسياسيّ والاكتفاء المعيشيّ والتقنيّ، والبعد عن التبعية للأعداء، ولا يتجاهل العصر ومنجزاته بل يرى أن إسالة التقنية والمنجزات في أودية المسلمين من أعظم المشروعات، ولكنه يفرق بين مقتضيات العصر، وأهواء العصر.

أمَّا الأديب "اللاديني" العلماني فقد استورد أفكاره وعقائده من الغرب، واتخذ من دين الإسلام موقف الرفض أو التشكيك أو الإقصاء أو عدم المبالاة، وتقلب بين رذائل الإلحاد والشيوعية والاشتراكية والليبرالية.

وهذا لابد أن يكون رسول العقائد التي اعتنقها، وداعية المبادئ التي آمن بها، ومناضل الأفكار التي انتمى إليها، والذي يرى في ساحات الفن والثقافة اليوم أكبر شاهد على هذه القضية.

<<  <  ج: ص:  >  >>