ومنزلتها العالية؟، بل لماذا لم تحافظ حتى على المستوى الأدنى الذي ما كان ينبغي لها -مطلقًا- أن تنزل عنه كما حصل في هذه الأزمنة الراهنة؟.
لقد تردى حال الأمة في هذه الحقبة ترديًا لم يسبق له مثيل في كل تاريخها، كانت تجتمع تحت راية الدولة العثمانية التي ورثت من أمراض من سبقها ما ورثت، وأضافت هي مع مرور الأيام أمراضًا أخرى وانحرافات غير التي ورثتها، سواء على المستوى المنهجيّ أو على المستوى التطبيقيّ، وما زالت تلك الانحرافات تتزايد والأمراض تتفاقم، وتعم آثارها كل بلاد الإسلام ومجتمعاته، في الوقت الذي كانت فيه أوروبا تأخذ بأسباب القوة والرقيّ، الماديّ والإداريّ على ما في هذه الأسباب من شطط، أو بعبارة أدق ما في أساسها الفلسفي من انحراف وجاهلية، إلّا أنها كانت في الواقع التطبيقي موضع قوة، استطاعت أوروبا من خلاله أن تقف ضد المسلمين في الحرب الصليبية الحديثة.
فبعد أن انتهت الحرب العالمية الأولى ١٣٣٢ - ١٣٣٦ هـ/ ١٩١٤ م - ١٩١٨ م والتي عصفت بالعالم طوال أربع سنوات، أدت الحرب إلى تغييرات جذرية في العالم، وإلى توازن غير مستقر اختل من جديد على نطاق واسع بعد واحد وعشرين عامًا حين نشبت الحرب العالمية الثانية ١٣٥٨ - ١٣٦٤ هـ/ ١٩٣٩ - ١٩٤٥ م، ومن هم هذه التغيرات اختفاء الدولة العثمانية (١) واقتسام البلاد الإسلامية، بعد اتفاقية "سايكس بيكو" ١٣٣٤ هـ/ ١٩١٦ م والقائمة على تفاهم سريّ استعماريّ بين بريطانيا وفرنسا متمم لاتفاق رئيسيّ بين بريطانيا وفرنسا وروسيا لتقسيم الدولة العثمانية، وقد عينت فرنسا "جورج بيكو" قنصلها العام في بيروت مندوبًا ساميًا مكلفًا بمفاوضة الحكومة البريطانية بشأن مستقبل الولايات العربية في الدولة العثمانية مع مندوب الحكومة البريطانية "مارك سايكس" عضو مجلس العموم البريطاني والمندوب السامي البريطاني لشؤون الشرق الأدنى، واتفقا بعد عدة مداولات بينهما ومع وزير خارجية روسيا القيصرية على تقسيم أراضي الدولة العثمانية،