للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رحل الاستعمار الغربيّ بجيوشه وعساكره ولكنه خلف وراءه عوامل الخراب والدمار والانحراف.

الوحدة صارت شتاتًا، والشرع أصبح مكانه القانون، والمرأة أخرجت من عفتها وكرامتها وحجابها، وأضحت الخمور والعهر من الأمور العادية، وبدأت وجهة الحياة الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية تتخذ مسارًا آخر حين ترك الاستعمار في مواطن التأثير والنفوذ تلامذته من أبناء البلاد المستعمرة، الذين قاموا بأدوار كبيرة لترسيخ الضلال والانحرافات التي لم يستطع ذوو الكفر الأصلي من المحتلين القيام بها.

قاموا بتنفيذ الدور الذي رسم لهم بدقة فاقت التصور، بل زادوا على ذلك ألوانًا من الضلال والفجور لم يكن المستعمر الأصليّ بقادر على تنفيذها، فصودر الشرع الشريف وحل مكانه القانون البشريّ، وأصبح تدريس الفلسفات المادية والمذاهب الوضعية بديلًا أساسيًا لتدريس العقيدة الإسلامية، وأضحى الإعلام منبر بث أنواع الانحرافات والضلالات الفكرية والسلوكية.

ومن أخطر الفئات التي قامت بتنفيذ مخطط الانحرافات "فئة المثقفين العلمانيين والحداثيين" ذوي العقول المسترقَة والنفوس المستعبدة، التي قامت وما زالت تقوم بترويج الركام الوثنيّ، وتسويق إفرازات الغرب الماديّ من مذاهب وفلسفات وممارسات خلقية واجتماعية وسياسية.

بيد أن الهوة السحيقة التي يسعى وكلاء الغرب اليوم إلى تعميقها وجرّ الأمة إليها، لم تنشأ بين يوم وليلة، بل كان لها إرهاصات عديدة، وأولها ما سبق الحديث عنه في قضية المنهج والتطبيق، ثم ما ترتب على ذلك من خلخلة في المفاهيم والمناهج واضطراب في ميادين التطبيق والعمل.

إن الانحرافات الكبيرة تبدأ صغيرة محتقرة في أول الأمر، ولكنها لا تفتأ تزداد على مر العصور وكر الأيام، حتى تصبح كبيرة متجذرة، لا يقوى على مقاومتها والتصدي لها إلّا أصحاب الهمم العالية والعزائم القوية.

فالتصوف -مثلًا- كان في الدولة الأموية في زوايا مهملة لا أثر لها،

<<  <  ج: ص:  >  >>