ثم انتشر في الدولة العباسية أكثر، ومع ذلك كان منعزلًا عن المجتمع، أمَّا في الدولة العثمانية، فقد أصبحت الصوفية هي الدين، وهي المدخل إلى العلم والتدين.
ومن هنا رسخت الخرافات والأوهام تحت شعارات "من لا شيخ له فشيخه إبليس" و"كن مع شيخك كالميت بين يدي الغاسل"، وتظاهر مع الصوفية العقيدة الإرجائية التي تجعل الإيمان مجرد تصديق القلب، وتقول بأنه لا يضر مع الإيمان ذنب.
وتدريجيًا أفرغت حياة المسلمين من التدين الصحيح ومن العمل النافع، ولم يبق فيها سوى وجدانيات قلبية مخلوطة بالانحرافات والضلالات.
وهذا مجرد مثال يُمكن تطبيق نمطه في الجانب الفقهيّ حيث "سُد باب الاجتهاد" وفي الجانب السياسي والاجتماعي وغيرها من الجوانب.
وبدأ الجمود والتخلف يسيطر على بلاد المسلمين قليلًا قليلًا حتى ضرب بجرانه وأصبح واقعًا ملموسًا، علمًا بأن عوامل الانحراف والضعف والجمود لم تأت جملة واحدة بل كانت تتراكم في بطء مع الأيام، ولم تأت كذلك في خط مستقيم مباشر، وإنّما كان الخط البياني لها مع استمرار انحداره التدريجيّ يصعد مرات مع ظهور المجددين، والغيورين على دينهم وأمتهم من أهل العلم وأهل السلطان.
ومهما يكن من أمر فقد اجتمعت حصيات الانحراف لتكون كومة واجتمعت الكومات لتكون جبالًا، وتفاعلت الانحرافات بعضها مع بعض حتى وصلت الأمة إلى الهوة الهابطة السحيقة، والناظر في تاريخ الأمة من القمة إلى الهوة يجد أمرًا مذهلًا محيرًا ومسافة بعيدة تدير الرؤوس، حتى كأنّما ينظر إلى أمتين منفصلتين عن بعضهما.
مفهوم العبادة للَّه تغير، وكلمة التوحيد أضحت عند كثيرين مجرد كلمة تقال، والعمل في وادٍ وكلمة التوحيد في وادٍ آخر.