للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتواكل والبطالة أضحت سمة غالبة، والمفهوم السلبي لعقيدة القضاء والقدر صار شائعًا، وأَصبح الدين في النهاية مجرد خيال وصورة خالية من الحقيقة، ومفهوم الجهاد عطل، وقضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أزيحت من الواقع.

هذا هو غالب حال الأمة، ولايعني ذلك أنها خلت تمامًا من مؤمنين صادقين واعين مخلصين باذلين، سائرين وفق المنهج الصحيح، فهذه نماذج لم تخل منها حقبة من تاريخ المسلمين، ولكن الصورة السائدة، هي التي تقرر الموقف العمليّ، وليست القلة المتميزة مهما يكن حجم تميزها، إلّا أن يكون في أيديها مقاليد الأمور (١).

جاء العصر الحاضر والأمة تتقلب في سفوح التخلف، فاستطاع الأعداء -بكل بساطة- أن يجدوا ثغرات الاختراق لجسد الأمة وحماها، فالتخلف الاعتقادي -الذي هو أساس كل تخلف- أضحى بلاء مستشريًا في كل بلاد المسلمين، حتى الجزيرة العربية مهبط الوحي ومنبع الرسالة تحولت إلى ما يشبه حال الجاهلية الأولى، فالقبور والأشجار تقدس وتعبد من دون اللَّه، والكهان والسحرة أكثر من العلماء وأشد تأثيرًا، والقبائل عادت إلى أساليب الغزو والسلب والنهب الذي كان قبل الإسلام، ولم يرتفع ذلك إلّا بدعوة التوحيد المعاصرة للإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه اللَّه تعالى.

والجزيرة مجرد مثال لأوضاع أخرى أشد وأنكى في كل بلاد المسلمين.

ومن التخلف الاعتقاديّ نشأت كل أنواع التخلف الأخرى: التخلف السياسيّ، والاقتصاديّ، والعلمي التجريبيّ، والحضاريّ، والثقافيّ، والفكريّ، والحربيّ، والصناعيّ.

ويُمكن الإشارة في هذا الصدد إلى بعض الخطوط العامة في مسيرة الانحراف الثقافيّ والأدبيّ والفنيّ:


(١) انظر: واقعنا المعاصر: ص ١١٣ - ١٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>