وقد أثبتنا ذلك في الفصول الماضية وسوف يأتي مزيد إثبات في الفصول القادمة.
إن المسألة الجوهرية ليست في الأخذ من اليونان أو عدم الأخذ، وهل هذا نافع أو غير نافع، أو نحدد نظريًا ما الذي أخذوا وما الذي لم يأخذوا، وما الذي انتقد عليهم وما الذي سُلّم لهم إلى غير ذلك من المقولات التي يُمكن الحديث عنها في إطار نقاش أهل القبلة مع بعضهم.
المسألة الجوهرية هنا هي أن أدونيس وغيره من الحداثيين يسعون جاهدين لتبديل دين الأمة وتحويلها من أمة موحدة إلى أمة وثنية، ومن أمة صاحبة رسالة ودين إلى أمة بلا دين ولا رسالة ولا شريعة ولا خلق، أمّا الوهم المعاصر فيتمثل في الخلط المتعمد بين التقنية والأفكار والأخلاف والعقائد.
وهذا الخلط الذي يعتمد عليه الحداثيون في تمرير وتسويغ كفرهم وضلالهم وانحرافهم وتبعيتهم ومحاكاتهم الفكرية والعقدية للغرب، لون من ألوان الرؤية المبعثرة، والبصيرة المطموسة، كما أنه لون من ألوان المغالطة والكذب الفكري والمخادعة الثقافية.
وممن رسخ هذا المبدأ المتناقض أدونيس حيث جعل أنه من التناقض الأخذ بالحداثة التقنية ورفض الأفكار التي أنجزتها والتي يسميها الحداثة الحقيقية فيقول:(ندرك بالتالي، الدلالة في موقف العربى المتناقض عما نسميه الحداثة، فهو يقبل منها كل ما يحسن الحياة وطرقها المعيشة بخاصة، لكنه يرفض النظرة التي أبدعتها، والحداثة الحقيقية في الإبداع لا في المنجزات بذاتها)(١).
وبهذا الأسلوب وأشباهه لبّس أدونيس على المغفلين بهذه الفلسفة التي تخلط بين التقنية والأفكار والفلسفات والقيم، فهو يعتبر أنا إذا أخذنا من الغرب حداثة التقنية ورفضنا أساسها الفكري والثقافي والعقدي فنحن نمارس