للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حقل الحقيقة والتأثير، فأكدوا جميعًا أن الأساطير ليست كما يعلم الناس حشدًا من الخرافات، وليست مجرد أوهام من عالم الفوضى، بل هي لغة أخرى، لغة الشعر والخيال والانفعال بجانب لغة المنطق والنثر والعلم (١).

وفي معرض إثبات طابع العلمية على الأسطورة قرروا أنه من الخطأ أن تظن أن الشاعر حين يستلهم تجارب العصور السحيقة، إنما يستعين بأمور غير أصيلة؛ لأن التجربة الأولية هي مصدر إبداعه، فليس غريبًا أن يلوذ بالأسطورة، ويصور تجربته تصويرًا أسطوريًا، حتى يهبها الشكل الفني (٢).

ثم جاء المنهج الأسطوري في منحاه التاريخي ليضفي على الأسطورة مكانة ويجعل لها شرعية.

ومن أبرز الذين اهتموا بالأسطورة من هذا الجانب الإنجليزي جيمس فريزر، وهو من علماء الانسنه "الانثربولوجيا"، وقد ألف كتابًا في هذا الصدد ذاع صيته وعظم تأثيره، وهو "الغصن الذهبي" المكون من اثني عشر مجلدًا، وموضوعه دراسة السحر والدين والأساطير القديمة، دراسة حاول فيها أن يؤكد شرعية الأسطورة وأهميتها، ويضع المبررات للعبادات الوثنية المختلفة، ويضع استنتاجات احتمالية وهمية تفتقر إلى البرهان، ليعرض تطور الفكر والمجتمع، ويحاول أن يجد علاقة بين السحر والفن والدين والزعامة في ظل الارتباط بين وظيفة الكاهن والساحر، ويخلط بين الدين الحق والوثنيات الباطلة وبين الأنبياء والكهان، وحاول في كتابه هذا ربط التشابهات الأسطورية ليخلص منها إلى نظرية تعميمية هي أن الأسطورة إنسانية وليست إقليمية أو محلية، في سياق يتضح منه إضفاء صفة العالمية على الأساطير والخرافات، لتتخذ من خلال هذه الدعوى الكبيرة هيبة عند ضعفاء العلم والعقل وعديمي الإيمان.

وعلى كل حال فإن كتاب الغصن الذهبي كان له دور بارز في نشوء


(١) و (٢) انظر: فوضى الحداثة: ص ١٧٨ - ١٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>