للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انزياحه الشعري إلى خبز ونبيد يوحي بمناخ مسيحي تميز به يوسف الخال، فتعدد للحجر معان دلالية متعددة) (١).

أتيت بهذه التحليلات والدراسات التي كتبها حداثي لا شك في انتمائه للحداثة ومدافعته عنها ومحبته لرموزها، لتكون شهادة شاهد من أهلها، ولئلا يقال بأن في استنتاجنا تعسف لا يحتمله النص المدروس، ولو ذهبت أتتبع كل ما كتب عن الخال وجبرا والصايغ والحاج وغيرهم من النصارى من المعاني النصرانية التي ضمنوها نتاجهم لطال الحديث.

بيد أنه ينبغي في هذا المقام الإشارة إلى أمرين مهمين:

الأول: أن الحداثيين النصارى، لم يتخلوا عن نصرانيتهم، بل اتخذوا الحداثة وبأوجهها العديدة وسيلة لنشر النصرانية عقيدة وسلوكًا ومنهجًا.

الثاني: أن الحداثيين غير النصارى، تقبلوا هذه المضامين والرموز ونقلوها وروجوها.

وقد مر في ثنايا هذا الفصل بعض أسماء النصارى الذين شاركوا في الصراع الثقافي، وكانوا طلائع الغزو الاعتقادي والهجوم الفكري (٢).

غير أنهم لم يكونوا مجرد أسماء، بل كانوا عاملين فعالين في الميدان الصحفي أولًا، ثم في الميدان الأدبي والفكري.

لقد التفتوا إلى أمور مهمة في بث الأفكار والعقائد والقيم في الوقت الذي كان فيه المسلمون يعيشون غفلة شبه كاملة عن هذه الوسائل المهمة.

اهتم نصارى العرب بالصحافة في أول نشأتها في بلاد العرب، وجاءهم الدعم من بني ملتهم، فأمسكوا بزمام الصحافة العربية وتحكموا في شؤونها، وبثوا من خلالها ما يريدون في تدرج أن احتاج الأمر إلى تدرج، وفي مواجهة ووقاحة إذا ناسبتهم الأحوال والظروف، فكانت الصحافة لسانهم الناطق عن عقائدهم التصرانية القديمة، وعن عقائدهم الحديثة النابتة في أرض النصرانية المحرفة مثل العلمانية وغيرها.


(١) المصدر السابق: ص ٢٢١.
(٢) انظر هامش (٣) ص ٦٨٩ من هذا الكتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>