والكيان القائم يديره نصارى لبنان، ويتحكمون في شأنه تحت مظلة التعايش بين المسلمين والنصارى، حيث لا تعايش بل سلطة نصرانية غاصبة جائرة غرسها الاستعمار ورعاها حتى استكلبت.
وفي هذه المقابلة التي نقلنا نصوصًا عديدة منها واجهه السائل بعد الكلام المشار إليه آنفًا باعتراض ثم بسؤال فقال:(إن تضايق غير المسيحيين من قيام دولة بمشيئة استعمارية أي أن تململهم ونقمتهم تنصب في الأول على الدور الذي أرادته تلك المشيئة للبنان أن يلعبه في المنطقة، أي ذلك الدور الذي يريد أن يحل المنطقة في مركزية الحضارة المسيحية الأوروبية، وهنا أحب أن أسألك سؤالًا خاصًا: كيف استطعت أن توفق بين ثورتك ومسيحيتك؟)(١).
فأجاب يوسف الخال قائلًا: (فكرة "الدين للَّه والوطن للجميع"، فكرة عقيمة لا معنى لها، فالدين ليس ممارسة ولا صلاة ولا طقوسًا، بإمكانك أن ترفض كل ذلك وتبقى مسلمًا أو مسيحيًا، ذلك أن الدين تفسير للوجود، أي لعلاقة الإنسان بالإنسان وبالطبيعة وبما وراء الطبيعة، وعلى أساس هذه النظرة ينشأ تراث معين وطريقة حياة معينة، فالحضارة الغربية لا نستطيع أن نفصلها عن المسيحية لا من حيث الطقوس، وإنَّما من حيث هي نظرة معينة في الوجود، فعندما تتأثر بالحضارة الأوروبية، فأنت بحكم الضرورة تتأثر بخلفيتها ومن ضمنها المسيحية. . . الحضارة الإنسانية نشأت وترعرت في حوض البحر المتوسط، وفعلت فيها عبر التاريخ شعوب مختلفة، وعلى مراحل، كان عندك العبرانيون، فالآراميون فالكنعانيون، فاليونان، فالرومان، فبيزنطة، فالعرب، وأخيرًا الشعوب الأوروبية.
ومنذ أن حملت الشعوب الأوروبية لواء هذه الحضارة في أوائل القرون الوسطى تطورت هذه الحضارة وأصبحت على ما هي عليه اليوم، وذلك بفضل عبقرية الشعوب الأوروبية وجهدها العقلي والروحي، وهكذا نشأت