ثم كل ما يتفرع عن هذه الأركان العلمية الخبرية والأركان العملية التطبيقية كل ذلك يعود إلى هذا الأصل العظيم، ولا يُمكن فصله عنه بأية حال من الأحوال، إلّا إذا أمكن فصل فروع شجرة يرجى ثمرها أو ظلها عن جذورها، وما أظن أن هذه المسألة تحتاج إلى كثير بسط وبيان؛ لأنها من المسلمات الشرعية والعقلية، ولا يماري فيها مسلم ولا مرتد، فها هم أصحاب الردة الحداثية يسعون بكل قوتهم لهدم هذا الركن العظيم؛ لأنهم يوقنون أنه هو جذر الإسلام عقيدة وشريعة، فإذا تمكنوا من إزالته -وما هم بقادرين أبدًا- فإنه سوف يتحقق لهم إزالة كل قضايا الإسلام، وقد صرحوا بذلك وسوف يأتي ذكر ذلك في موضعه في فصول هذا الباب إن شاء اللَّه تعالى.
غير أن القضية التي يُمكن أن تلتبس على بعض المصابين بمرض الشبهة من المصغين للمرتدين والكافرين والمنافقين، والمدمنين على قراءة نتاجهم؛ هي قضية أن الإسلام نظام للحياة البشرية يقوم على أساس تحكيم شريعة اللَّه تعالى وحدها في كل أوضاع الحياة وكل أعمال الإنسان، وأن هذا التحكيم هو مقتضى الإيمان باللَّه وشهادة أن لا إلَه إلّا اللَّه وأنه لا يُمكن بحال من الأحوال إخراج أي نشاط بشري عن هذا المدلول؛ وذلك لأن أول خصائص الألوهية هي حق تعبيد الناس لرب الناس وتطويعهم لشرائعه، وحق إقامة المعايير والنظم والمناهج وإلزام الناس بها، كما أنه من خصائص العبودية الالتزام بذلك في كل الأحوال والأوضاع.
وما تحاوله الجاهلية المعاصرة هو إبطال حق اللَّه تعالى في الهيمنة على أعمال الإنسان، وتأليه الإنسان ليضع النظم والمناهج والقيم والموازين من تلقاء هواه.
فها نحن نسمع ونرى من يجحد حق اللَّه تعالى في الحكم والنظام ومن يجحد حقه تعالى في الفكر والآداب ومن يجحد حقه في القيم والأخلاق، ونسمع ونرى من ينادي جهارًا بألوهية الإنسان وأحقيته المطلقة في وضع ما يناسبه من نظم ومعايير ومناهج وسلوكيات.
ولا ريب أن هذا مناقض تمام المناقضة للإيمان باللَّه ولشهادة أن لا إلَه إلّا اللَّه، وهي صورة مكررة للتناقض القائم بين الإسلام والجاهلية من عهد نوح -عليه الصلاة والسلام- إلى عهد محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى زماننا هذا وإلى أن تقوم الساعة، وأساس تكرار هذه الصورة من التناقض بين التوحيد والوثنية والإسلام