والجاهلية هو أن هناك تصوران أساسيان متناقضان عند البشرية في القديم والحديث في جميع أنحاء الأرض وفي جميع الأزمنة والأمكنة:
التصور الأول: يقوم على إقرار اللَّه بالألوهية والربوبية والأسماء والصفات وينبني عليه قيام نظام للحياة يتجرد فيه البشر من خصائص الألوهية والربوبية ويفردون اللَّه وحده بها، ويذعنون له بالعبودية فيتلقون ما جاء عنه بالقبول والتسليم في الأمور الاعتقادية وفي القيم الإنسانية والاجتماعية والأخلاقية وفي المناهج والنظم والشرائع والقوانين التي تحكم الأحياء وأعمالهم والحياة وأرجاءها ولا يتلقون عن أحد سواه، وبذلك يشهدون أن لا إلَه إلّا اللَّه.
التصور الثاني: يقوم على رفض ألوهية اللَّه تعالى وربوبيته وجحد أسمائه وصفاته أو جحد مقتضياتها، وهذا الرفض والجحود إمّا بصورة كلية كما هو حال الملاحدة الذين ينكرون وجود اللَّه -سُبْحَانهُ وَتَعَالى-، وإمّا بصورة أخرى تتمثل في رفض ألوهية اللَّه تعالى في شؤون الحياة أو في بعض شؤون الحياة، في نظام المجتمع مثلًا أو في شرائعه وقوانينه أو في خلقه وسلوكه أو في فكره وأدبه.
وهذا التصور -إضافة إلى رفضه ألوهية اللَّه- يدّعي أن لأحد من البشر فردًا أو جماعة هيئة أو فئة أو طبقة أن يزاول -من دون اللَّه أو مع اللَّه تعالى- خصائص الألوهية، سواء كانت دعواه بلسان المقال كما هو حال كثير منهم أو بلسان الحال عند من يغمغم ولا يفهم ويلوّح ولا يصرح، وبذلك لا يكون الناس الذين تقوم حياتهم على هذا التصور قد آمنوا باللَّه تعالى أو شهدوا أن لا إله إلّا اللَّه.
هذان التصوران المتناقضان لا يُمكن أن يلتقيان مطلقًا؛ لأن أحدهما هو التوحيد والإيمان والإسلام، واللآخر هو الشرك والكفر والجاهلية، بغض النظر عن الأسماء واللافتات والعناوين والنعوت والألقاب التي يطلقها أصحابها على هذا التصور الجاهلي وفروعه ومقتضياته، ثقافة أو فنونًا أو حداثة أو آدابًا أو فكرًا تقدميًا أو معاصرًا أو طليعيًا أو واقعيًا أو بنيويًا أو تنويريًا أو ديمقراطيًا أو علمانيًا أو عقلانيًا إلى آخر تلك الأسماء والألقاب التي تلتقي كلها في هذا التصور الضال في رفض ألوهية اللَّه تعالى وتأليه غيره -جَلَّ وَعَلَا-.
إن تنوع الأسماء والأشكال ليست ذات عبرة ما دامت متحدة في قاعدة واحدة ومشتركة في أصل واحد وأساس واحد اعتبار -أي عمل أو نظام أو وضع أو تصور أو فكر أو أدب- متصفًا بكونه إسلاميًا أو غير إسلامي هو