للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذ جئنا إلى المعلم الأول الذي شق لمن بعده طرق الاقتداء بالإنجليز وغيرهم، وسن سنن المحاكاة لهم، إلى أول من ابتدع بدعة التقليد الشعري للغرب إلى بدر شاكر السياب رائد الحداثة الأول الذي تشير إحصائية سريعة أنه في قصيدة واحدة هي أنشودة المطر، استعمل رمز تموز ١٧ مرة ورمز المسيح ٢٠ مرة، ورمز عشتار ١٧ مرة، والصلب ٣١ مرة، وأدونيس ٣ مرات، وآتيس مرتين، (وكلها -كما يقول باروت- رموز انبعاثية ذات دلالة مركزية واحدة. . .، هكذا يضيء الرمز التموزي مرجعه ويضاء به، فتتداخل الرموز مع الواقع، وتبرز النبوة (١) كتوجس لزمن جديد يتمخض، ويغدو الشاعر نبي (٢) الجماعة، يغور فيها ويكشف أحلامها، فتتداعى صورته في الماضي "الوثني، المسيحي، الإسلامي". . . هكذا يرى السياب الشاعر كالقديس يوحنا ومن هنا يتحول الشعر إلى رؤيا رفض واحتجاج، يتثبت بتعويذة "الأمل في الخلاص" يكتب لغة زمانية ويتوجس آفاقه) (٣).

كلام إشادة وشرح وتوضيح لمعاني الرموز عند السياب، وهو مترع بالمآخذ، والذي يهمنا منه أنه أشار إلى المنحى النصراني بالإحصائية أولًا، ثم بدلالات هذه الرموز المحصاة، والتي أدخل من ضمن دلالاتها المعنى الإسلامي تجاوزًا ومغالطة، إذ لم يرد في الرموز ما يشير إلى أي معنى إسلامي، وإنّما هي الرموز الوثنية والنصرانية.

وفي إشارة مشابهة، وأكثر تفصيلًا وعمقًا، يذكر إحسان عباس في كتابه بدر شاكر السياب تحت فصل "تموز - المسيح" وكيف تقلب السياب بين الرموز الوثنية والرموز النصرانية، وأنه يتكئ على المنطق الشعري وحده لا على المنطق العقلي، وأن السياب كان يرى أنه ليس من الضروري أنه نقتصر على أساطير تربطنا بها رابطة من البيئة أو التاريخ أو الدين، بل يُمكن


(١) و (٢) هذا من استعمالات الحداثيين العادية، وسوف يأتي في أوجه انحرافاتهم في النبوات تفصيل ذلك إن شاء اللَّه.
(٣) الحداثة الأولى: ص ١٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>