للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاستعانة بأية أسطورة غريبة عنا ما دامت تخدم غاية شعرية (١).

ويعقب إحسان عباس على هذه القضية قائلًا: (ولست أجد حرجًا في الإجابة عن سؤال يخطر للقارئ في هذا الموقف، وهو: كيف يستطيع شاعر مسلم أن يتخذ من "الفداء" -وهو أحد المعالم البارزة التي تفصل فصلًا تامًا بين الإسلام والمسيحية- رمزًا في شعره؟.

والجواب على هذا السؤال لا ينفك عن أحد الفروض الآتية: إمّا أن ذلك الشاعر لم يفهم فكرة "الفداء" في المسيحية، وإمّا أن فهمها وهو لا يعبأ بالموقف الديني الذي نشأ عليه منها، وإمّا أنه -في سياق الشعر- يعد الفداء أسطورة من الأساطير، فهو لا يراها حقيقة تاريخية، وفي هذا الموقف الأخير يضع الحد بين الظاهر والحقيقة أمام عيني قرائه؛ لأن الحقيقة حينئذٍ تتصل بضميره الفردي) (٢).

أمّا أن الشاعر المحاكي للنصارى في ألفاظهم لم يفهم فكرة الفداء في النصرانية، فذلك لايعذره ولا يعفيه، وإلّا لذهبت أمور الناس فوضى حتى في الحقوق الخاصة بدعوى عدم الفهم لمقصد العبارة!!، وإمّا أنه فهمها وهو لا يعبأ بالموقف الديني والعقيدة القابعة في ثنايا اللفظ والمصطلح فذلك أمر لا يُمكن تصوره، إلّا على مناهج الحداثيين الذين يلغون دلالات الألفاظ، فهؤلاء يُمكن أن يقال للواحد منهم: "أيها الخنزير القذر" ثم يقال له إذ غضب: ليس لهذا اللفظ دلالة حسب مذهبك، إذن فلا يُمكن استخدام اللفظ الدال على عقيدة معينة دون أن يعبأ صاحبها بالموقف الديني الذي نشأ عليه، وإلّا فلماذا لايستخدم لفظًا آخر يدل على المعنى نفسه، فبدل الفداء التضحية مثلًا، ولولا أن اللفظ بإشاعاعاته الاعتقادية قد تمكن من نفس المستعمل له لما تلفظ على وجه الخصوص به دون غيره.

وإذا قبلنا مثل هذه الحجة التي يعتذر بها إحسان عباس عن الحداثيين


(١) انظر: بدر شاكر السياب دراسة في حياته وشعره لإحسان عباس: ص ٣٠٥.
(٢) بدر شاكر السياب دراسة في حياته وشعره لإحسان عباس: ص ٣٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>