للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرؤيا بمعناها الباطني فيقول: (. . . الرؤيا، في دلالتها الأصلية، وسيلة الكشف عن الغيب، أو هي العلم بالغيب. . .، وتتفاوت الرؤيا، عمقًا وشُمولًا، بتفاوت الرائين، فمنهم، ممن يكون في الدرجة العالية من السمو، من يرى الشيء على حقيقته، ومنهم من يراه ملتبسًا، وذلك يحسب استعداده وأحيانًا يرى الرائي في حلمه وأحيانًا يرى في قلبه. . .، ويشبه ابن عربي الرؤيا بالرحم، فكما أن الجنين يتكون في الرحم، كذلك يتكون المعنى في الرؤيا، فالرؤيا إذن نوع من الاتحاد بالغيب، يخلق صورة جديدة للعالم، أو يخلق العالم من جديد، كما يتجدد العالم بالولادة.

والرؤيا إذن تعني ببكارة العالم، ويعني الرائي بأن يظل العالم له جديدًا كأنه يخلق ابتداء، باستمرار. . . من هنا كذلك يرفض الرائي عالم المنطق والعقل، فالرؤيا لا تجئ وفقًا لمقولة السبب والنتيجة، وإنّما تجيء بلا سبب، في شكل خاطف مفاجيء أو تجيء إشراقًا.

والرؤيا إذن كشف، إنها ضربة تزيح كل حاجز، أو هي نظرة تخترق الواقع إلى ما وراءه. . .، وهكذا يُمكن وصف الرؤيا بأنها المعتمرار للقدرة الإلهيه، كما يعبر ابن عربي. . . .

والرؤيا إذن إبداع، ويُمكن تعريف المبدع، على صعيد الرؤيا، بأن من يبدع في نفسه صورة خيالية أو مثالًا، ويبرزه إلى الوجود الخارجي، وكل شخص لا ينطلق من هذا الإبداع في نفسه لا يسمى مبدعًا، فالإبداع الحقيقي هو إبداع المثال، أي مثال الشيء الذي سيتحقق في الخارج) (١).

هنا يقدم أدونيس عقيدته الباطنية ولكن بأسلوب التلبيس الباطني المعروف، ويحاول إغراء من يبحث عن الابداع، وإقناعه بعالم الباطن الذي هو أساس عقيدة الفرق الباطنية.

وقد يقال بأن أدونيس هنا يجر أتباعه الحداثيين إلى الإيمان بالغيب بدلًا من المادية التي تعلقوا بأهدابها لما قلدوا حداثة الغرب.


(١) الثابت والمتحول ٣ - صدمة الحداثة: ص ١٦٦ - ١٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>