للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجواب: نعم أدونيس يحاول أن ينقلهم إلى عالم الغيب هنا، وفي كتابه الصوفية والسوريالية، ولكنه عالم الغيب الباطني المستقل بذاته والقائم بنفسه، كما هو في عقيدة الباطنيين أو أكثرهم، وكما هو عند أدونيس على وجه الخصوص الذين يجحد وجود اللَّه تعالى، وينكر ألوهيته وربوبيته.

فالرؤيا والغيب وعالم الباطن كلها عند أدونيس، قائمة بذاتها لا مؤثر عليها من الخارج مطلقًا.

وفي النص السابق يربط أدونيس الباطن بالإبداع الذي يتنافس الحداثيون في تقديسه والحصول على طرف منه بأي شكل من الأشكال ولو بالجنون والتخبط والضلال.

وبعد سياق طويل من التقديم للباطنية بأسلوب تدليسي خادع، ومن خلال الأدب والفكر والفن، ينتقل إلى المقصد من كل ذلك فيقرر بأنه (دائمًا كان في المجتمع العربي صراع بين ثقافة السطح وثقافة العمق، ثقافة الاستهلاك وثقافة الإبداع، ثقافة المتاجرة وثقافة المغامرة، الأولى تجمع وتكدس، وتعتبر الأشياء لذاتها وبذاتها، والثانية تفجر وتغير وتتخطى، وتعتبر الأشياء لما هو أعمق وأسمى، الأولى ثقافة اتجار، والثانية ثقافة استبصار. . . كان شعراء الرفض، مثلًا بدءًا من الصعاليك يحاولون تحطيم القشرة السائدة. . .، كذلك كانت الحركات الجذرية الأخرى، العقلانية فكرًا وفلسفة وعلمًا والاستبطانية فنًا وتصوفًا) (١).

في هذا النص مربط الحداثيين، الذين يريد سوقهم إلى المذود الباطني ليجمعهم فيه ومن حوله.

وفيه تتضح بجلاء دعوته ودعايته للباطنية "مذهبه الأساسي" لكن من خلال الثقافة العامة والإبداع، فقد خص ما يتعلق بالباطنية بأفخم الألفاظ، وجعل لما سوى ذلك أبشع الهجاء، وعندما يقرأ الحداثي الغرِّ مثل هذه الأقوال وهو يجهل ما خلف الكواليس، ويجهل طرائق الباطنية وأساليبها


(١) المصدر السابق ٣/ ٢١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>