للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومقاصدها، ينخدع وينجذب إلى مثل هذه الأقوال والعقائد، فتصبح عنده الشريعة بظاهرها الساطع النقي ثقافة سطحية، والحداثة بأخلاطها وأوشابها ثقافة عميقة، وينتقل من هذه إلى اعتبار أن ما يتحدث عن الباطن من أديان ومذاهب قديمة أو حديثة هو أيضًا من ثقافة العمق والإبداع والمغامرة والتفجير والتخطي والاستبصار، وما كان يتحدث بصورة ظاهرة أو يعالج الأمور من ظاهرها فإنه يصبح عنده -بعد هذا التلقين الباطني- ثقافة سطح واستهلاك ومتاجرة وتجميع وتكديس، واتجار وسلطة، إلى غير ذلك من الأوصاف التي خلب بها عقول الأغرار وخدع بها هؤلاء الأتباع الجهلة فأضحوا أبواقًا لفكرته من حيث يشعرون أو لا يشعرون.

ثم يشير أدونيس في كلامه بما يسميه حركات الرفض والحركات الثورية ويجعلهم مثلًا للثقافة الباطنية التي امتدحها من قبل، وهذه دعاية فجة مكشوفة للباطنية، وتمجيد لتاريخها المظلم، وطبيعي أن يدعو أدونيس إلى مذهبه وأن يمتدح تاريخه؛ لأنه الجذر الأساسي الذي منه انطلق؛ وأدونيس هو الفرع المعاصر لتلك الشجرة الخبيثة التي طالما فعلت في الأمة الأفاعيل، فمثلًا، عندما كان المسلمون يقاتلون النصارى في فلسطين كان الباطنيون أهل الرفض والحركات الثورية يقاتلون مع النصارى ضد المسلمين، ولم يكن في تاريخهم الأسود نقطة مضيئة لا في العلم ولا في العمل.

وعندما يقول أدونيس أن هذه الحركات الثورية لم تهدأ طوال القرون الهجرية الثلاثة الأولى، يحاول أن يصور من خلال هذا الكذب أن أجداد الباطنيين كانوا يضربون بجذورهم في تاريخ عميق منذ بداية الإسلام، وهذا ما يسعى إلى إثباته أصحاب الفرق الضالة، وخاصة الرافضة والباطنيين، ومن المعلوم أن هذه الفرق لم تنشأ إلّا بعد حقبة من الزمن فلم تكن في عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ولا في عهد الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان رضي اللَّه عنهم وإن تكن بدأت نواة التشيع في أواخر عهد علي رضي اللَّه عنه، فإنها تكونت وتبلورت فيما بعد، ومن المعلوم أيضًا أنها -وخاصة الباطنية منها- غرست في بلاد المسلمين بيد اليهود، وقد سبق ذكر ذلك في أول هذا الفصل، فلا غرو أن تجد أحفاد هؤلاء اليوم ينادون بالالتصاق بالغرب

<<  <  ج: ص:  >  >>