للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحقيقة، وما عداه السطح استطاع أن يخلب عقول سفهاء الأحلام من أبناء المسلمين، الذي ربّما لم يسمعوا عن الباطنية وأساليبها وطرائقها في إبطال الأديان وخاصة الدين الإسلامي، فيقرأون وهم خليون من علم ينفع وإيمان يدفع، مع مخالطة الأهواء لقلوبهم، فيقعون فريسة لهذا النصيري وأشباهه.

ها هو يعلمهم بأستاذية واستعلاء -وهذا معروف في كلامه وشعره- فيقول: (. . . يجب أن تميز في التراث بين مستويين الغور والسطح، السطح هنا يمثل الأفكار والمواقف والأشكال، أمّا الغور فيمثل التفجر والتطلع، التغير، الثورة، لذلك ليست مسألة الغور أن نتجاوزه بل أن ننصهر فيه، لكن، لانكون أحياء ما لم نتجاوز السطح، ذلك أن السطح متصل بالوقائع والفترة الزمنية، أي بتجربة تاريخية معينة، بينما يتصل الغور بالإنسان كإنسان، الغور مطلق، أمّا السطح فتاريخي) (١).

وبمثل هذه الألفاظ يجذب إلى ناره فراش وجنادب الحداثة، المولعين بالاشتهار والمغامرة، وأهل الدين والعلم والإيمان يأخذون بحُجُزهم لئلا يقعوا في نار المجوس والباطنية، وهم يتفلتون ويتقحمون، وقد أغرتهم الدعاية الأدونيسية بالغور وهو لفظ ماكر بديل عن الباطنية، وبالتفجر بديلًا عن الرفض والكفر، والتغير بديلًا عن الردة، والثورة بديلًا عن التخريب.

بيد أن كبار نقاد الحداثة قد فطنوا للبعد الباطني عند أدونيس والدعوة إلى الباطنية كما سبق أن نقلنا، ولكنهم تعاملوا مع هذه القضية -بحكم حداثتهم المذيبة لمبدأ الولاء والبراء- تعاملًا هامدًا باردًا وكان شيئًا لم يكن.

فها هو إحسان عباس يدرس بعضًا من شعر أدونيس الدال على شيعته وباطنيته: رأس الحسين ومسجد الحسين والعداء لبني أمية، والشهداء زيد والحسين، ويستحيل عنده معاوية رضي اللَّه عنه إلى شعره، والأشجار في مقتل الحسين تمشي حدباء في سكر وفي أناة كي تشهد الصلاة، ومع كل ذلك لا يشير إلى النزعة الباطنية الشيعية في هذا الكلام، بل يعده مجرد أمثلة


(١) زمن الشعر: ص ١٦٩ - ١٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>