ما غاب عن الحس البشري يسمى خرافة؛ لأن هناك فرقًا بين واقع مغيب، وهي الحقيقة غير المنظورة، والمعدوم الغائب وهو الخرافة التي لن ترى.
ومن لم يفرق بين الأمرين وقع في التناقض وتخلت عنه الحقائق.
أمّا الواقع الذي له حقيقة موجودة، ولكن غائب عن الحس والوعي البشري في جملته أو عند بعض أفراده، فلا ينكره إلّا من لا عقل له.
فليس كل ما غاب عن الحس صح جحده؛ لأن عدم العلم بالشيء لا يدل على العلم بعدمه، واليوم نعيش حقائق ثابتة كانت فيما مضى غير معلومة، بل كانت مغيبة، وأمثلة ذلك كثيرة في الجو وطبقاته والنجوم والأفلاك والأثير والأوزون، وفي الأرض وطبقاتها ومعادنها كالبترول، وفي الأضواء والأشعة ما تحت الحمراء، وما فوق البنفسجي، وفي الذرة، وفي الجراثيم والفيروسات والبكتيريا، وغير ذلك، وما زالت الحقائق المغيبة في مجالات العلوم كثيرة.
وهناك مغيبات نرى آثارها فتدلنا الآثار دلالة قطعية على وجودها، وعلى أنها حقائق، فمثلًا طبقة الأثير لا تدركها الحواس ولكن أحزمة البث الإذاعي واللاسلكي السائرة خلالها والمنعكسة منها تدلنا على وجودها، كما يدل أي أثر على المؤثر، مثل عبوسة وجه الإنسان تدلنا على حزن أو غضب مغيب في قلبه، وتدلنا حركة الأشجار على وجود الريح، ويدلنا الدخان على وجود النار، وأثر القدم في الأرض على سائر سار فوقها، وهكذا إلى ما شاء اللَّه من أمثلة هي من ضرورات العقل وحتمياته.
والضرورة العقلية هي: كل برهان صحيح في الوجود إذا تأملته وحللته انتهى بك إلى الجزم العقلي القاطع، ومن أمثلة بدائه العقل: استحالة أن يكون الكل أقل من الجزء، وأن يجتمع الضدان في زمان ومكان واحد، وأن يكون فعل بلا فاعل، وهذا برهان عقلي بدهي مباشر، لا يستطيع أي عاقل إنكاره وهناك برهان عقلي بواسطة كأن تقول:
١ - اللَّه تعالى واجب الوجود، ونفي ذلك محال عقلي إذ يستحيل أن يكون الخلق بلا خالق.