للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتبتُّل له، ونحو ذلك. فكل هذه الأسماء تتضمن محبة الله سبحانه وتعالى.

وكما أنَّ محبته هي أصلُ الدِّين، فكذلك كمال الدين يكون بكمالها ونقصه بنقصها (١).

وكمال هذه المحبة هو بالعبودية والذل والخضوع والطاعة للمحبوب سبحانه وتعالى؛ فالحق الذي خُلِق به ولأجله الخلقُ: هو عبادة الله وحده التي هي كمال محبته والخضوع والذل له، ولوازم عبوديته من الأمر والنهي والثواب والعقاب، ولأجل ذلك أرسل الرسلَ، وأنزل الكتبَ، وخَلَقَ الجَنَّةَ والنارَ (٢).

وقد بين الله عز وجل أنه قد خلقَ الناس للابتلاء؛ فقال جل وعلا: {الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ والحَيَاةَ لِيَبْلُوكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك الآية: ٢]، وقال تعالى: {إِنَّا جَعَلنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الكهف الآية: ٧]، وقال سبحانه: {وهُو الَّذِي خَلَقَ السَّمَاواتِ والأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ لِيَبْلُوكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [هود الآية: ٧].

فأخبر جل وعلا في هذه الآيات أنَّ خلق العالم والموت والحياة وتَزَيُّنَ الأرض بما عليها: أنه للابتلاء والامتحان؛ ليختبر خلقه أيهم أحسن عملًا، فيكون عمله موافقًا لمحابِّ الرب تعالى، فيوافق الغاية التي خُلِق هو لها وخلق لأجلها العالَم، وهي عبوديته المتضمنة لمحبَّته وطاعته، وهي العمل الأحسن وهو مواقع محبته ورضاه، وقَدَّر سبحانه مقادير تُخالفها بحكمته في تقديرها، وامتحن خلقَه بين أَمْرِه وقَدَرِه؛ ليَبلوهم أيُّهم أحسن عملًا.

وأصل الشرك الذي لا يَغفره الله هو الشرك في هذه المحبة؛ فإنَّ المشركين لم يزعموا أنَّ آلهتهم وأوثانهم شاركت الربَّ سبحانه في خلق السموات والأرض، وإنَّما


(١) انظر: «مجموع الفتاوى» (١٠/ ٥٦، ٥٧).
(٢) انظر: «روضة المحبين» (ص ٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>