قال المصنف رحمه الله: "ولكثرة الاشتباه في هذا المقام وقعت الشبهة في أن وجود الرب هل هو عين ماهيته، أو زائد على ماهيته؛ وهل لفظ «الوجود» مقول بالاشتراك اللفظي، أو بالتواطئ، أو التشكيك، كما وقع الاشتباه في إثبات الأحوال ونفيها، وفي أن المعدوم هل هو شيء أم لا؟، وفي وجود الموجودات هل هو زائد على ماهيتها أم لا؟.
وقد كثر من أئمة النُظَّار الاضطراب والتناقض في هذه المقامات، فتارة يقول أحدهم القولين المتناقضين، ويحكى عن الناس مقالات ما قالوها، وتارة يبقى في الشك والتحير، وقد بسطنا من الكلام في هذه المقامات، وما وقع من الاشتباه والغلط والحيرة فيها لأئمة الكلام والفلسفة، ما لا تتسع له هذه الجمل المختصرة.
وبيَّنا أن الصواب هو أن وجود كل شيء في الخارج هو ماهيته الموجودة في الخارج، بخلاف الماهية التي في الذهن فإنها مغايرة للموجود في الخارج، وأن لفظ «الوجود» كلفظ «الذات» و «الشيء» و «الماهية» و «الحقيقة» ونحو ذلك، وهذه الألفاظ كلها متواطئة، وإذا قيل: إنها مشكِّكة، لتفاضل معانيها، فالمشكِّك نوع من المتواطئ العام الذي يراعى فيه دلالة اللفظ على القدر المشترك، سواء كان المعنى متفاضلا في موارده، أو متماثلاً.
وبيَّنا أن المعدوم شيء أيضًا في العلم والذهن، لا في الخارج، فلا فرق بين الثبوت والوجود، لكن الفرق ثابت بين الوجود العلمي والعيني، مع أن ما في العلم ليس هو الحقيقة الموجودة، ولكن هو العلم التابع للعالم القائم به.