كما أن العلم بأسماء الله وصفاته وأفعاله أجل العلوم وأشرفها وأعظمها فهو أصلها كلها، فكل علم هو تابع للعلم به، مفتقر في تحقق ذاته إليه، فالعلم به أصل كل علم ومَنشؤه؛ فمَن عرف الله عَرف ما سواه، ومَن جهل ربَّه فهو لما سواه أجهل؛ قال تعالى:{وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ}، فتأمل هذه الآية: تجد تحتها معنى شريفًا عظيمًا، وهو: أنَّ مَنْ نسي ربَّه أنساه ذاته ونفسه، فلم يَعرف حقيقته ولا مصالحه، بل نَسي ما به صلاحه وفلاحه في معاشه ومعاده؛ لأنَّه خرج عن فطرته التي خلق عليها، فنسي ربَّه فأنساه نفسه وصفاتها وما تكمل به وتزكو به وتسعد به في معاشها ومعادها؛ قال تعالى:{وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً}، فغفل عن ذكر ربه؛ فانفرط عليه أمره وقلبه، فلا التفات له إلى مصالحه وكماله وما تزكو به نفسه وقلبه، بل هو مُشتت القلب مُضيعه، مفرط الأمر حيران لا يهتدي سبيلًا.
فالعِلم بالله أصل كل علم، وهو أصل علم العبد بسعادته وكماله ومصالح دنياه وآخرته، والجهل به مُستلزم للجهل بنفسه ومصالحها وكمالها وما تزكو به وتفلح به، فالعلم به سعادة العبد والجهل به أصل شقاوته (١).
رابعًا: معرفة أسماء الله وصفاته أصل عظيم في منهج السلف:
معرفة أسماء الله وصفاته هي الأساس الذي يَنبني عليه عمل العبد، ومن خلالها تتحدد العلاقة التي تربط العبد بربه، وعلى ضوئها يَعبد المسلم ربَّه، ويتقرب إليه.
قال شيخُ الإسلام ابنُ تيمية رحمه الله تعالى: «وأصلُ الإيمان: قولُ القلب الذي هو التَّصديق. وعمل القلب الذي هو المحبة على سبيل الخضوع؛ إذ لا مُلائمة