للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مخالفة الجبرية للعقل والقياس]

المتن

قال المصنف رحمه الله تعالى: "وأما مخالفتهم لضرورة العقل والقياس، فإن الواحد من هؤلاء لا يمكنه أن يطرد قوله، فإنه إذا كان مشاهدًا للقدر من غير تمييز بين المأمور والمحظور، فعومل بموجب ذلك مثل أن يُضرب ويجاع حتى يبتلى بعظيم الأوصاب والأوجاع- فإن لام من فعل ذلك به وعابه فقد نقض قوله، وخرج عن أصل مذهبه، وقيل له: هذا الذي فعله مقضي مقدور، فخلق الله وقدره ومشيئته متناول لك وله وهو يعمّكما، فإن كان القدر حجة لك فهو حجة لهذا، وإلا فليس بحجة لا لك ولا له. فقد تبين بضرورة العقل فساد قول من ينظر إلى القدر، ويعرض عن الأمر والنهي".

الشرح

قال ابن تيمية: "فَإِنَّ الْقَدَرَ إنْ كَانَ حُجَّةً فَهُوَ حُجَّةٌ لِكُلِّ أَحَدٍ وَإِلَّا فَلَيْسَ حُجَّةً لِأَحَدِ. فَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ الرَّجُلَ ظَلَمَهُ ظَالِمٌ أَوْ شَتَمَهُ شَاتِمٌ أَوْ أَخَذَ مَالَهُ أَوْ أَفْسَدَ أَهْلَهُ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَمَتَى لَامَهُ أَوْ ذَمَّهُ أَوْ طَلَبَ عُقُوبَتَهُ أَبْطَلَ الِاحْتِجَاجَ بِالْقَدَرِ.

وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ الْعَارِفَ إذَا شَهِدَ الْقَدَرَ سَقَطَ عَنْهُ الْأَمْرُ كَانَ هَذَا الْكَلَامُ مِنْ الْكُفْرِ الَّذِي لَا يَرْضَاهُ لَا الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى بَلْ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ فِي الْعَقْلِ مُحَالٌ فِي الشَّرْعِ؛ فَإِنَّ الْجَائِعَ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْخُبْزِ وَالتُّرَابِ وَالْعَطْشَانَ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَاءِ وَالسَّرَابِ فَيُحِبُّ مَا يُشْبِعُهُ وَيُرْوِيهِ؛ دُونَ مَا لَا يَنْفَعُهُ وَالْجَمِيعُ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ تَعَالَى فَالْحَيُّ - وَإِنْ كَانَ مَنْ كَانَ - لَا بُدَّ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ مَا يَنْفَعُهُ وَيُنَعِّمُهُ وَيَسُرُّهُ وَبَيْنَ مَا يَضُرُّهُ وَيُشْقِيهِ وَيُؤْلِمُهُ. وَهَذَا حَقِيقَةُ الْأَمْرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>