للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأين هذا من احتجاج أعداء الله بمشيئته وقدره على إبطال أمره ونهيه وعباد هؤلاء الكفرة يشهدون أفعالهم كلها طاعات لموافقتها المشيئة السابقة ولو أغضبهم غيرهم وقصر في حقوقهم لم يشهدوا فعله طاعة مع أنه وافق فيه المشيئة فما احتج بالقدر على إبطال الأمر والنهي الآمن هو من أجهل الناس وأظلمهم وأتبعهم لهواه وتأمل قوله سبحانه بعد حكايته عن أعدائه واحتجاجهم بمشيئته وقدره على إبطال ما أمرهم به رسوله وأنه لولا محبته ورضاه به لما شاءه منهم: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنعام الآية: ١٤٩]، فأخبر سبحانه أن الحجة له عليهم برسله وكتبه وبيان ما ينفعهم ويضرهم وتمكنهم من الإيمان بمعرفة أوامره ونواهيه وأعطاهم الأسماع والأبصار والعقول فثبتت حجته البالغة عليهم بذلك واضمحلت حجتهم الباطلة عليه بمشيئته وقضائه ثم قرر تمام الحجة بقوله: {فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنعام الآية: ١٤٩]، فإن هذا يتضمن أنه المتفرد بالربوبية والملك والتصرف في خلقه وأنه لا رب غيره ولا إله سواه فكيف يعبدون معه إلها غيره فإثبات القدر والمشيئة من تمام حجته البالغة عليهم وأن الأمر كله لله وأن كل شيء ما خلا الله باطل فالقضاء والقدر والمشيئة النافذة من أعظم أدلة التوحيد فجعلها الظالمون الجاحدون حجة لهم على الشرك فكانت حجة الله هي البالغة وحجتهم هي الداحضة وبالله التوفيق،

رابعًا: القول الراجح في معنى الحديث.

إذا عرفت هذا فموسى أعرف بالله وأسمائه وصفاته من أن يلوم على ذنب قد تاب منه فاعله فاجتباه ربه بعده وهداه واصطفاه وآدم أعرف بربه من أن يحتج بقضائه وقدره على معصيته بل إنما لام موسى آدم على المعصية التي نالت الذرية بخروجهم من الجنة ونزولهم إلى دار الابتلاء والمحنة بسبب خطيئة أبيهم فذكر الخطيئة تنبيها على سبب المصيبة المحنة التي نالت الذرية ولهذا قال له أخرجتنا ونفسك من الجنة وفي لفظ خيبتنا فاحتج آدم بالقدر على المصيبة وقال أن هذه

<<  <  ج: ص:  >  >>