للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يجب عكسه، فلا يلزم من عدم الدليل عدم المدلول عليه" (١)

وأضاف المصنف تفصيلاً مهماً في ذلك، حيث قال: "عدم الدليل المعيّن لا يستلزم عدم المدلول عليه، فإن كل ما خلقه الله دليل عليه، ثم إذا عدم ذلك، لم يلزم عدم الخالق، فلا يجوز نفي الشيء لعدم الدليل الدالّ عليه، إلا أن يكون عدم الدليل مستلزماً لعدمه، كالأمور التي تتوفر الهمة على نقلها، إذا لم ينقل، عُلم انتفاؤها" (٢).

ثالثًا: وجه الرد بهذه القاعدة على المخالف.

والمقصود أن كثيرًا من المتناظرين قد يجعل عمدته في نفي وجود أمر ما، عدم علمه بالدليل على وجوده، والأصل أن عدم العلم بالدليل ليس علماً بالعدم، وعدم الوجدان ليس نفياً للوجود، فكما أن الإثبات يحتاج إلى دليل، فكذلك النفي يحتاج إلى دليل، وإلا فما لم يعلم وجوده بدليل معين، قد يكون معلوماً بأدلة أخرى، فمثلاً: عدم الدليل العقلي على وجود أمر ما، لا يعني عدم وجوده، لأنه قد يكون ثابتاً بالدليل السمعي، أو غيره.

فالدليل يجب فيه الطرد لا العكس، بمعنى أنه يلزم من وجوده الوجود، ولا يلزم من عدمه العدم، أي عدم المدلول عليه، قال تعالى: (بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ)] يونس: ٣٩ [فهذا نعي على كل من كذب بما قصر عنه علمه.

فمن نفى كثيراً من الغيبيات كالصفات، والقدر، والملائكة، والجن، وأحوال البرزخ، والمعاد، لعدم قيام دليل الحس والمشاهدة، أو دليل العقل-كما يزعم-كان غالطاً، لأنه أخبر عن نفسه، ولا يمنع أن يكون غيره قد قام عنده دليل العقل، أو


(١) درء تعارض العقل والنقل: ٥/ ٢٦٩.
(٢) الجواب الصحيح ٣/ ١٧٥، وانظر: ٤/ ٢٩١

<<  <  ج: ص:  >  >>