للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَاصِلٌ فِي جَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ؛ فَإِنَّهُمْ مُتَفَنِّنُونَ فِي الْآلِهَةِ الَّتِي يَعْبُدُونَهَا وَإِنْ اشْتَرَكُوا فِي الشِّرْكِ؛ هَذَا يَعْبُدُ الشَّمْسَ، وَهَذَا يَعْبُدُ الْقَمَرَ، وَهَذَا يَعْبُدُ اللَّاتَ، وَهَذَا يَعْبُدُ الْعُزَّى وَهَذَا يَعْبُدُ مَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى، فَكُلٌّ مِنْهُمْ يَتَّخِذُ إلَهَهُ هَوَاهُ وَيَعْبُدُ مَا يَسْتَحْسِنُ، وَكَذَلِكَ فِي عِبَادَةِ قُبُورِ الْبَشَرِ كُلٌّ يُعَلِّقُ عَلَى تِمْثَالِ مَنْ أَحْسَنَ بِهِ الظَّنَّ" (١)

وقد فصَّل شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- في كتابه «اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم» باستفاضة أوجه الشبه بين المشركين والفِرق الضالة المنحرفة عن منهج الكتاب والسنة، وهنا يُشَبِّه أعمال المتصوفة المبتدعة بأعمال المشركين.

فهذه الطائفة تشبَّهت بالمشركين في خصلتين:

[الخصلة الأولى: الابتداع.]

والخصلة الثانية: الاحتجاج بالقدر.

فأمَّا الخصلة الأولى: الابتداع؛ ومعناه: الإحداث، فكان المشركون إذا فعلوا فاحشة {قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا} [الأعراف الآية: ٢٨]؛ فنسبوها إلى الله سبحانه وتعالى، فردَّ الله عز وجل عليهم؛ فقال لرسوله -صلى الله عليه وسلم-: {قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف الآية: ٢٨]، ولهذا فمن وقع في البدع فقد شابه المشركين؛ لأنهم أول من ابتدعوا.

وهذا الخطاب يَصلح أن يُوَجَّه للمتصوفة، فإذا فعل المتصوف فاحشة وشرب خمرًا وادعى أنه من أهل الحقيقة؛ قيل له: {إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون} [الأعراف الآية: ٢٨].

فهذا الجواب الذي بَكَّت اللهُ به أهلَ الشِّرك يَصلح أن يكون جوابًا لأهل التصوف، فهذا الربط العجيب يبين لك أنَّ أصل ما عند هؤلاء هو


(١) مجموع الفتاوى ٨/ ٢٥٦ - ٢٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>