فكذلك إثبات صفاته إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف.
وما أحسن ما قال بعضهم:((إذا قال لك الجهمي كيف استوى، أو كيف ينزل إلى السماء الدنيا، أو كيف يداه، ونحو ذلك؟ فقل له: كيف هو في نفسه؟ فإذا قال لك لا يعلم ما هو إلا هو، وكنه الباري تعالى غير معلوم للبشر، فقل له: فالعلم بكيفية الصفة، مستلزم للعلم بكيفية الموصوف؛ فكيف يمكن أن تعلم كيفية صفة لموصوف لم تعلم كيفيتُه، وإنما تعلم الذات والصفات من حيث الجملة، على الوجه الذي ينبغي لك)) (١).
[الأمر السادس: نفي العلم بالكيفية ليس فيه تعطيل لمعاني الصفات.]
من الافتراءات التي أُلصقت بمذهب السلف أهل السنة والجماعة، أنهم يؤمنون بألفاظٍ مجرَّدة دون التطرق للمعاني، وهو ما يسميه من ينسبه إليهم مذهب التفويض، واستدلوا لذلك بقول أكثر من واحد من أئمة السلف في نصوص الصفات:"أمروها كما جاءت"، وهم "إنما نفوا العلم بالكيفية، ولم ينفوا حقيقة الصّفة.
ولو كان القوم قد آمنوا باللفظ المجرَّد من غير فهم لمعناه-على ما يليق بالله-لما قالوا: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، ولما قالوا: أمرُّوها كما جاءت بلا كيف …
وأيضاً: فإنه لا يحتاج إلى نفي علم الكيفية، إذا لم يفهم من اللفظ معنى؛ وإنما يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا أثبتت الصفات …
وأيضاً: فقولهم: أمرُّوها كما جاءت يقتضي إبقاء دلالتها على ما هي عليه، فإنها جاءت ألفاظاً دالة على معاني؛ فلو كانت دلالتها منتفية لكان الواجب أن يقال: أمرُّوا ألفاظها مع اعتقاد أن المفهوم منها غير مراد، أو أمرُّوا ألفاظها مع اعتقاد أن الله
(١) الحموية ص (١٥٧)، وانظر: شرح حديث النزول ص (٧٩، ١٣٣)، بيان تلبيس الجهمية (٢/ ١٨٠).