بهذا، فإن المتكلمين أيضا رأوا أن الأشياء تتفق بصفات وتختلف بصفات، والمشترك غير المميز، فصاروا حزبين:
الحزب الأول: أثبت هذه الأمور في الخارج، لكنه قال: لا موجودة ولا معدومة، لأنها لو كانت موجودة لكانت أعيانا موجودة أو صفات للأعيان، ولو كانت كذلك لم يكن فيها اشتراك وعموم، فإن صفة الموصوف الموجودة لا يشركه فيها غيره.
الحزب الثاني: وآخرون علموا أن كل موجود مختص بصفة فقالوا: لا عموم ولا اشتراك إلا في الألفاظ دون المعاني.
والتحقيق: أن هذه الأمور العامة المشترك فيها هي ثابتة في الأذهان، وهي معاني الألفاظ العامة، فعمومها بمنزلة عموم الألفاظ، فالخط يطابق اللفظ، واللفظ يطابق المعنى، والمعنى عام، وعموم اللفظ يطابق عموم المعنى، وعموم الخط يطابق عموم اللفظ.
[المسألة الخامسة: هل العموم يكون في عوارض المعاني.]
وقد اتفق الناس على أن العموم يكون من عوارض الألفاظ، وتنازعوا هل يكون من عوارض المعاني؟
القول الأول: فقيل: يكون أيضا من عوارض المعاني، كقولهم مطر عام، وعدل عام، وخصب عام.
القول الثاني: وقيل: بل ذلك مجاز؛ لأن المطر الذي حل بهذه البقعة ليس هو المطر الذي حل بهذه البقعة، وكذلك الخصب والعدل.
والتحقيق: أن معنى المطر القائم بقلب المتكلم عام كعموم اللفظ سواء، بل اللفظ دليل على ذلك المعنى، فكيف يكون اللفظ عاما دون معناه الذي هو المقصود بالبيان!