للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنْ كَانَ فِي قلبه مِثْقَال ذرة من إِيمَان فكذلك لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر؛ إذ الكبرُ مناف للإيمَان؛ مباعد عن حَقِيقَةِ العُبُودِيَّة؛ لأنَّه مِنْ خصائص الربوبية.

وكل مَنْ استكبر عن عبادة الله ولم يكن الله منتهى حبه وإرادته، فلا بد أن يكون له مراد محبوب يستعبده غير الله؛ فيكون عبدًا ذليلًا لذلك المراد المحبوب، وسيذوق وبال ذلك في الدنيا والآخرة؛ قال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: ٦٠].

وكلما كان الإنسان أعظم استكبارًا عن عبادة الله كان أعظم إشراكًا بالله؛ لأنه كلما استكبر عن عبادة الله ازداد فقرًا وحاجةً إلى مراده المحبوب الذي هو مقصود القلب بالقصد الأول؛ فيكون مشركًا بما استعبده من ذلك، ولهذا كان فرعون من أعظم الخلق استكبارًا عن عبادة الله وأشدهم إشراكًا وجحودًا؛ قال الله تعالى: {وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ} [غافر: ٢٧]، إلى قوله: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} [غافر: ٣٥]، ومثل هذا في القرآن كثير.

وأما الشرك: فإن فهم هذا الأمر يتوقف على فهم موضوع المحبة فأصل المَحابِّ المحمودة: محبة الله تعالى، بل وأصل الإيمان والتوحيد، والنوعان الآخران تَبَعٌ لها.

كما أنَّ المحبةَ مع الله أصلُ الشرك، والمحاب المذمومة والنوعان الآخران تَبَعٌ لها (١).

والمقصود بالمحبة الشرعية: محبة الله سبحانه وتعالى ومحبة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وكل ما يدخل في


(١) راجع: «إغاثة اللهفان» (٢/ ١٤٠، ١٤١)، و «جامع الرسائل» (٢/ ٢٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>