للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المقدمة الثانية: مناهج الناس في مسائل العقيدة.]

فلابد من إعطاء نبذة عن المناهج التي انقسم إليها الناس عند الخوض في هذه المسائل: فحقيقة الخلاف والنزاع قائم بين منهجين لا ثالث لهما، قال شيخ الإسلام ابن تيمية موضحًا هذه الأقسام: "الْفِرَقِ بَيْنَ الْمِنْهَاجِ النَّبَوِيِّ الْإِيمَانِيِّ الْعِلْمِيِّ الصلاحي وَالْمِنْهَاجِ الصَّابِئِ الْفَلْسَفِيِّ (١) وَمَا تَشَعَّبَ عَنْهُ مِنْ الْمِنْهَاجِ الْكَلَامِيِّ


(١) هناك نوعان من الفلاسفة:
١ - الفلسفة اليونانية
٢ - الفلسفة الهندية
فالفلسفة اليونانية: قامت على جانب العلم، فهي تنبني على أمور علمية، ويقسمون العلوم إلى ثلاثة أقسام: (علوم إلهية، وعلوم رياضية، وعلوم طبيعية)
فالعلوم الطبيعية: كطبيعة الأرض وطبيعة الإنسان، وتسمى حديثًا: (علوم الفيزياء)، والعلوم الرياضية: كالحساب والهندسة، والعلوم الإلهية هي ما يتعلق بالله تعالى وشريعته،
وهذه القسمة لا إشكال فيها، ولكن الإشكال في أنهم يقولون: إن العلوم الرياضية والعلوم الطبيعية علوم صادقة، وأما العلوم الإلهية فإنها علوم كاذبة.
وهذا يرجع إلى مبدأين عندهم:
المبدأ الأول:
وهو أن العلم إنما يطلق على المحسوس المشاهد فقط (والذي يسمى اليوم بالعلم التجريبي) وهذا معناه إلغاء (عالم الغيب).
المبدأ الثاني:
أن مصدر العلم هو الإنسان ذاته، وهذا معناه (إبطال الوحي).
هذان هما الأساسان اللذان تقوم عليهما فلسفة اليونان، والتي تأثر بها أهل البدع والضلال.
وإذا تكلم هؤلاء الفلاسفة في الإلهيات فإنما يتكلمون على طريقة الفرضيات، أي على سبيل التوهم، لا على الحقيقة، لأن هذه الأمور ليس لها وجود في الخارج، فإذن هي غير موجودة عندهم.
لأن مراتب الوجود أربعة: الوجود الذهني والوجود العيني والوجود اللفظي والوجود الخطي) فالشيء الموجود في الذهن فقط، وليس له وجود في الخارج يسمى وجوده بالوجود الذهني، وإذا كان هذا الشيء موجودًا في الخارج يسمى وجوده بالوجود العيني، وعندما تتكلم به يسمى وجوده بالوجود اللفظي، وعندما تكتبه يسمى وجوده بالوجود الخطي.
وعند هؤلاء الفلاسفة أنه لا وجود حقيقي لله، والكلام عنه إنما هو في الأذهان فقط، وكل من تأثر بفلاسفة اليونان لن يخرج عن هذا الفكر، ولذلك تجد أن أعظم مسألتين طال الكلام فيهما في العقيدة (صفة الكلام وصفة العلو)، وذلك لتأثر منكري هاتين الصفتين بفلاسفة اليونان.
وأما الفلسفة الهندية: فإنها قامت على العمل بدون العلم، وممن تأثر بهم الصوفية أصحاب البدع ممن لا علم عندهم، ولهذا تجدهم يعظمون المشاهد والقبور، وغير ذلك من الأعمال التي تهدم جناب التوحيد.
وأما أهل السنة فقد جمعوا بين العلم النافع والعمل الصالح.

<<  <  ج: ص:  >  >>