للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لعلات" "وأنا أولى الناس بابن مريم، فإنه ليس بيني وبينه نبي" فدينهم واحد، وهو عبادة الله وحده لا شريك له، وهو يعبد في كل وقت بما أمر به في ذلك الوقت، وذلك هو دين الإسلام في ذلك الوقت.

وتنوع الشرائع في الناسخ والمنسوخ من المشروع كتنوع الشريعة الواحدة، فكما أن دين الإسلام الذي بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم هو دين واحد، مع أنه قد كان في وقت يجب استقبال بيت المقدس في الصلاة، كما أمر المسلمون بذلك بعد الهجرة ببضعة عشر شهرا، وبعد ذلك يجب استقبال الكعبة، ويحرم استقبال الصخرة فالدين واحد وإن تنوعت القبلة في وقتين من أوقاته، فهكذا شرع الله تعالى لبني إسرائيل السبت، ثم نسخ ذلك وشرع الجمعة، فكان الاجتماع يوم السبت واجباً إذ ذاك، ثم صار الواجب هو الاجتماع يوم الجمعة، وحرم الاجتماع يوم السبت. فمن خرج عن شريعة موسى قبل النسخ لم يكن مسلما، ومن لم يدخل في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم بعد النسخ لم يكن مسلما" (١).

"ققد يشرع الله في وقت أمرًا لحكمة، ثم يشرع في وقت آخر أمرًا لحكمة، فالعمل بالمنسوخ، قبل نسخه: طاعة لله، وبعد النسخ يجب العمل بالناسخ، فمن تمسك بالمنسوخ وترك الناسخ؛ ليس هو على دين الإسلام، ولا هو متبع لأحد من الأنبياء، ولهذا كفر اليهود والنصارى؛ لأنهم تمسكوا بشرع مبدل منسوخ.

والله تعالى يشرع لكل أمة ما يناسب حالها ووقتها، ويكون كفيلاً بإصلاحها، متضمنا لمصالحها، ثم ينسخ الله ما يشاء من تلك الشرائع لانتهاء أجلها، إلى أن بعث نبيه محمدًا خاتم النبيين إلى جميع الناس على وجه الأرض، وعلى امتداد الزمن إلى


(١) اقتضاء الصراط المستقيم ٢/ ٣٧٨ - ٣٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>