للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المتكلمة والمتصوفة.

فوقعت كل طائفة من هاتين الطائفتين المنحرفتين في مفسدتين:

إحداهما: القول بلا علم إن كان متكلمًا، والعمل بلا علم إن كان متصوفًا.

والمفسدة الثانية: فوت المتكلم العمل، وفوت المتصوف القول والكلام (١).

وهو ما وقع من البدع الكلامية والعملية المخالفة للكتاب والسنة.

فالكلاميون: غالب نظرهم وقولهم في الثبوت والانتفاء، والوجود والعدم، والقضايا التصديقية؛ فغايتهم مجرد التصديق والعلم والخبر؛ فاعتنوا بجانب علمي لم يَنْبَنِ على الكتاب والسنة؛ لذلك عَطَّلوا أسماء الله تعالى، وعَطَّلوا صفاتِه عز وجل.

وعندما عَرَّفوا التوحيد؛ قالوا: «واحد في ذاته، وواحد في صفاته، وواحد في أفعاله». وأهملوا جانب توحيد العبادة: «واحد في ذاته» قالوا: «لا شريكَ له». و «واحد في صفاته»: «لا نظير له». و «واحد في أفعاله»: «لا نِدَّ له». فهذا تقسيمهم للتوحيد (٢)، ويُلاحظ أنه قد خلا في هذه الثلاثة من الجانب العملي، فلا يوجد عمل، ثم إذا تحدثوا عن ذات الله تعالى تحدثوا بالتعطيل؛ فقالوا بما قالوا: «ليس في جهة، ولا في عُلو، ولا في مكان، ولا في حيز» ولا إلى غير ذلك؛ فجعلوه والعدم سواء، وإذا تحدثوا عن صفات الله تعالى تحدثوا عن سبع صفات فقط، وإذا تحدثوا عن أفعال الله تعالى هذا هو الذي سَلِم لهم: «توحيد الربوبية»؛ فلم يَسلم لهم إلا توحيد الربوبية، ونحن نعلم أن كفار قريش كانوا مُقِرِّين بتوحيد الربوبية: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ


(١) «مجموع الفتاوى» (٢/ ٤١) بتصرف.
(٢) انظر في ذلك من كتب الأشاعرة: ((مجرد مقالات الأشعري)) لابن فروك (ص: ٥٥)، ورسالة الحرة للباقلاني - المطبوعة باسم ((الإنصاف)) - (ص: ٣٣ - ٣٤)، و ((الاعتقاد للبيهقي)) (ص: ٦٣)، و ((شرح أسماء الله الحسنى)) للقشيري (ص: ٢١٥)، و ((الشامل)) (ص: ٣٤٥ - ٣٤٨)، و ((الإرشاد)) (ص: ٥٢)، و ((لمع الأدلة)) (ص: ٨٦)، و ((إحياء علوم الدين)) (١/ ٣٣)، و ((الاقتصاد في الاعتقاد)) (ص: ٤٩)، و ((نهاية الإقدام)) (ص: ٩٠) ((المِلل والنِّحَل)) للشهرستاني (١/ ٤٢). وغيرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>