للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذًا أي توحيد هذا الذي يقرر ويعلم، وفي الوقت نفسه تجد معالم الشرك موجودة ومنتشرة، ولا تجد من يردع ذلك حتى بين بعض علمائهم، وليس الأمر مقتصرًا على جهالهم، لو كان الأمر مقتصرًا على جهالهم لقلنا هذا لجهلهم، ولكن حتى علماؤهم يَدْعون إلى هذا الشرك ولا يرون فيه مخالفةً أو مناقضةً للتوحيد.

فإذًا فرقٌ بين توحيد أهل السنة وتوحيد الأشاعرة؛ فإن توحيد أهل السنة يعني إفراد الله بأسمائه وصفاته كلها وإفراد الله بربوبيته وإفراد الله بعبادته، فلا يتم توحيد العبد حتى يوحد الله في هذه الأمور مجتمعة، ولذلك تجد أن أهل السنة أبعد الناس عن الشرك ومظاهره حتى عند عوامِّهم، تجد أن العامِّي يعرف أن فعل هذه الأمور يؤدي إلى الشرك ولذلك تختفي معالم الشرك متى ما وجد اعتقاد أهل السنة.

قال ابن تيمية رحمه الله: "وأما التوحيد الذي ذكر الله في كتابه، وأنزل به كتبه، وبعث به رسله، واتفق عليه المسلمون من كل ملة، فهو كما قال الأئمة: شهادة أن لا إله إلا الله، وهو عبادة الله وحده لا شريك له، كما بين ذلك بقوله: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة، الآية: ١٦٣]. فأخبر أن الإله إله واحد لا يجوز أن يتخذ إلهًا غيره، فلا يعبد إلا إياه، كما قال في السورة الأخرى: {وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [النحل، الآية: ٥١]. وكما قال: {لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا} إلى: {فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا} [الإسراء، الآيات: ٢٢ - ٣٩].

وكما قال: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (٢) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر، الآيات: ١ - ٣].

وكما قال: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان، الآية: ٦٨].

والشرك الذي ذكره الله في كتابه، إنما هو عبادة غيره من المخلوقات كعبادة الملائكة أو الكواكب أو الشمس أو القمر أو الأنبياء أو تماثيلهم أو قبورهم، أو

<<  <  ج: ص:  >  >>