ومعلوم أن هذا القدر من التوحيد يقر به المشركون كما تقدم ذكره مما دلت عليه النصوص الشرعية من أن مشركي العرب كانوا يقرون بتوحيد الربوبية وتوحيد الربوبية هو أحد أنواع التوحيد الثلاثة؛ ولذا فإنه لا يصح إيمان أحد، ولا يتحقق توحيده إلا إذا وحد الله في ربوبيته، لكن هذا النوع من التوحيد ليس هو الغاية من بعثة الرسل عليهم السلام، ولا ينجي وحده من عذاب الله ما لم يأت العبد بلازمه توحيد الألوهية.
ولذا يقول الله تعالى}: وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: ١٠٦]، والمعنى أي: ما يقر أكثرهم بالله رباً وخالقاً ورازقاً ومدبراً- وكل ذلك من توحيد الربوبية - إلا وهم مشركون معه في عبادته غيره من الأوثان والأصنام التي لا تضر ولا تنفع، ولا تعطي ولا تمنع.
وبهذا المعنى للآية قال المفسرون من الصحابة والتابعين.
قال ابن عباس رضي الله عنهما:"من إيمانهم إذا قيل لهم من خلق السماء؟ ومن خلق الأرض؟ ومن خلق الجبال؟ قالوا: الله، وهم مشركون".
وقال عِكْرِمَة:"تسألهم من خلقهم، ومن خلق السماوات والأرض، فيقولون الله، فذلك إيمانهم بالله، وهم يعبدون غيره".
وقال مجاهد:"إيمانهم قولهم: الله خالقنا، ويرزقنا، ويميتنا، فهذا إيمان مع شرك عبادتهم غيره".
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم بن زيد:(ليس أحد يعبد مع الله غيره إلا وهو مؤمن بالله، ويعرف أن الله ربُّه، وأنَّ الله خالقُه ورازقُه، وهو يشرك به، ألا ترى كيف قال إبراهيم: قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ الشعراء:] ٧٥ - ٧٧. (١) " [