ثم إن الجهمية من المعتزلة وغيرهم أدرجوا نفي الصفات في مسمى «التوحيد»، فصار من قال: إن لله علما أو قدرة، أو إنه يُرى في الآخرة، أو إن القرآن كلام الله منزّل غير مخلوق- يقولون: إنه مشبِّه ليس بموحد.
وزاد عليهم غلاة الجهمية والفلاسفة والقرامطة فنفوا أسماءه الحسنى، وقالوا: من قال: إن الله عليم قدير عزيز حكيم، فهو مشبِّه ليس بموحد.
وزاد غلاة الغلاة، وقالوا: لا يوصف بالنفي ولا الإثبات، لأن في كل منهما تشبيها له.
وهؤلاء كلهم وقعوا من جنس التشبيه فيما هو شر ممّا فروا منه، فإنهم شبّهوه بالممتنعات والمعدومات والجمادات فرارا من تشبيههم- بزعمهم- له بالأحياء.
ومعلوم أن هذه الصفات الثابتة لله لا تثبت له على حد ما يثبت لمخلوق أصلًا، وهو سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، فلا فرق بين إثبات الذات وإثبات الصفات، فإذا لم يكن في إثبات الذات إثبات مماثلة للذوات لم يكن في إثبات الصفات إثبات مماثلة له في ذلك. فصار هؤلاء الجهمية المعطلة يجعلون هذا توحيدا، ويجعلون مقابل ذلك التشبيه، ويسمون نفوسهم «الموحِّدين».
الشرح
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "من معاني الواحد عندهم-أي المتكلمين-هو الذي لا شبيه له، وهذه الكلمة أقرب إلى الإسلام، لكن أجملوها فجعلوا نفي الصفات أو بعضها داخلًا في نفي التشبيه، واضطربوا في ذلك على درجات لا تنضبط، والمعتزلة تزعم: أن نفي العلم والقدرة وغير ذلك من التوحيد ونفي التشبيه والتجسيم.