وعدم التفريق بين هذين النوعين جَرَّ طوائف إلى الوقوع في أنواع الإلحاد والكفر؛ يقول شيخ الإسلام رحمه الله هنا:«فَمن وَقف عِنْد هَذِه الْحَقِيقَة وَعند شهودها، وَلم يقم بِمَا أَمر الله بِهِ مِنْ الحَقِيقَة الدِّينِيَّة الَّتِي هِيَ عِبَادَته الْمُتَعَلّقَة بألوهيته وَطَاعَة أمره وَأمر رَسُوله، كَانَ من جنس إِبْلِيس وَأهل النَّار.
فَإِنْ ظَنَّ مَعَ ذَلِك: أَنَّه من خَواص أَوْلِيَاء الله وَأهل الْمعرفَة وَالتَّحْقِيق، الَّذين سَقط عَنْهُم الْأَمر وَالنَّهي الشَّرعيان، كَانَ مِنْ أشر أهل الكفر والإلحاد».
فبعضُ الصوفية وبعضُ أهل الكلام قد فَسَّروا (لا إله إلا الله) بأنه لا خالق إلا الله.
ويزعمُ أحدهم أن الخضر سقط عنه التكليف؛ لشهوده الإرادة، ويفرقون بين العامة والخاصة، وخلاصة قولهم: أنهم يرون أن العامة هم الذين لم يشهدوا الحقيقة الكونية شهودًا كافيًا، وأن الخاصة هم الذين شهدوا الحقيقة الكونية شهودًا كافيًا.
ووصفهم للمسلمين بأنهم (العامة) وصف انتقاص؛ لأنهم يقولون: إنهم الذين لم يصلوا إلى شهود الحقيقة الكونية، وهي- عندهم- أن يعلم أن الإنسان لا صفات له ولا أفعال له، وإنما الفاعل على الحقيقة هو الله، وأنه عبارة عن محل لفعل الله؛ مثل الإناء عندما يكون محلًّا للماء، وكالريشة التي يحركها الهواء، يعني: ليس فاعلًا فعلًا اختياريًّا، وإنما الله عز وجل هو الذي يحركه، والإنسان مسلوب الإرادة، مجبور على فعله.
ويترتب على هذا القول: أن القول الذي يقوله الإنسانُ ليس قولَه؛ بل هو قولُ الله، وأنَّ الفعل الذي يقوم به الإنسان ليس فعلَه، وإنما هو فعلُ الله.
ويترتب على هذا أيضًا: أنه بسبب شهوده لهذه الحقيقة تَسقط عنه التكاليف؛ لأنه لا فِعل له؛ فالتكليف يحصل عندما يكون للإنسان فِعل، ثم يحاسب على هذا