للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَحَلَّهَا. وَلِهَذَا فَرَّ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ إلَى قَوْلٍ وَأَبُو إسْحَاقَ الإسفراييني إلَى قَوْلٍ وَأَبُو الْمَعَالِي الجُوَيْنِي إلَى قَوْلٍ؛ لَمَّا رَأَوْا مَا فِي هَذَا الْقَوْلِ مِنْ التَّنَاقُضِ" (١)

وقد رد شيخ الإسلام هذه المقولة من عدة وجوه في أكثر من موضع في كتبه ومن ذلك:

قال ابن تيمية: "وَمَنْ قَالَ إنَّ قُدْرَةَ الْعَبْدِ وَغَيْرَهَا مِنْ الْأَسْبَابِ الَّتِي خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا الْمَخْلُوقَاتِ لَيْسَتْ أَسْبَابًا أَوْ أَنَّ وُجُودَهَا كَعَدَمِهَا وَلَيْسَ هُنَاكَ إلَّا مُجَرَّدُ اقْتِرَانٍ عَادِيٍّ كَاقْتِرَانِ الدَّلِيلِ بِالْمَدْلُولِ؛ فَقَدْ جَحَدَ مَا فِي خَلْقِ اللَّهِ وَشَرْعِهِ مِنْ الْأَسْبَابِ وَالْحِكَمِ وَالْعِلَلِ وَلَمْ يَجْعَلْ فِي الْعَيْنِ قُوَّةً تَمْتَازُ بِهَا عَنْ الْخَدِّ تُبْصِرُ بِهَا وَلَا فِي الْقَلْبِ قُوَّةً يَمْتَازُ بِهَا عَنْ الرَّجُلِ يَعْقِلُ بِهَا وَلَا فِي النَّارِ قُوَّةً تَمْتَازُ بِهَا عَنْ التُّرَابِ تُحْرِقُ بِهَا وَهَؤُلَاءِ يُنْكِرُونَ مَا فِي الْأَجْسَامِ الْمَطْبُوعَةِ مِنْ الطَّبَائِعِ وَالْغَرَائِزِ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: تَكَلَّمَ قَوْمٌ مِنْ النَّاسِ فِي إبْطَالِ الْأَسْبَابِ وَالْقُوَى وَالطَّبَائِعِ فَأَضْحَكُوا الْعُقَلَاءَ عَلَى عُقُولِهِمْ. ثُمَّ إنَّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ لَا يَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَقُولَ إنَّهُ شَبِعَ بِالْخُبْزِ وَرُوِيَ بِالْمَاءِ بَلْ يَقُولُ شَبِعْت عِنْدَهُ وَرُوِيت عِنْدَهُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ الشِّبَعَ وَالرِّيَّ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْحَوَادِثِ عِنْدَ هَذِهِ الْمُقْتَرِنَاتِ بِهَا عَادَةً؛ لَا بِهَا.

وَهَذَا خِلَافُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الأعراف الآية: ٥٧ [وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ} [البقرة الآية: ١٦٤]، وَقَالَ تَعَالَى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ} [التوبة الآية: ١٤]، وَقَالَ: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إلَّا إحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا} [التوبة الآية: ٥٢]،


(١) مجموع الفتاوى ٨/ ١٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>