للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التراب تحرق بها، وهؤلاء ينكرون ما في الأجسام المطبوعة من الطبائع والغرائز. قال بعض الفضلاء: تكلَّم قوم من الناس في إبطال الأسباب والقوى والطبائع فأضحَكوا العقلاء على عقولهم. ثم إنَّ هؤلاء يقولون: لا ينبغي للإنسان أن يقول: إنه شبع بالخبز ورَوِي بالماء، بل يقول: شبعتُ عندَه ورَوِيت عندَه؛ فإن الله يخلق الشبع والرِّيَّ ونحو ذلك من الحوادث عند هذه المقترنات بها عادة، لا بها" (١).

ويضيف أيضا ابن تيمية لهذا القول لازمًا من اللوازم التي تلزم من يقول بالعادة فيقول: "وكذلك أيضًا لزمت من لا يثبت في المخلوقات أسبابًا وقوى وطبائع، ويقول: إن الله يفعل عندها لا بها، فلزمه أن لا يكونَ فرق بين القادر والعاجز، وإن أثبتَ قدرةً وقال: إنها مقترنة بالكسب، قيل له: لم تثبت فرقا معقولا بين ما تثبته من الكسب وتنفيه من الفعل، ولا بين القادر والعاجز، إذا كان مجرد الاقتران لا اختصاص له بالقدرة، فإن فعل العبد يقارن حياته وعلمه وإرادته وغير ذلك من صفاته، فإذا لم يكن للقدرة تأثيرٌ إلا مجرَّد الاقتران فلا فرق بين القدرة وغيرها" (٢).

ويمكن القول: بإنَّ القول في السببية كانت سببًا في نسبة الدين إلى معاداة العقل والتجارب؛ لأن فيها تعطيلا لها ونفيا للحكمةِ؛ مما جعل ضعافَ العقول ومن ليس لهم علم بالشرع ولَمَّا يدخل الإيمان في قلوبهم حين يرون مكابرةَ هذه النظرية للواقع والحسّ يرونَ أنهم بتبنِّيهم للدين يركبون أمواجًا طامية ويخوضون لجَّة سحيقة، يبحرون فيها ضدَّ العقل، وقد لا يجدون في النقل بُلغة تطمئِنهم، بل هم في أمر مريج من مخالفة صريح العقل وعدم وجود النقل القاطع الذي ينضبط القول به في المسألة.


(١) مجموع الفتاوى (٨/ ١٣٦ - ١٣٧).
(٢) منهاج السنة (٣/ ١١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>