للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وباطل، وهذا يُشبه قول الباطنية: بأن النصوص لها ظاهر وباطن، ثم يفسرون الباطن بالطريقة التي يَرونها.

وليس الفناء كله مذموم، وإن كان الاصطلاح أصلًا اصطلاحًا صوفيًّا، ولكن كون الإنسان يغيب عمن حوله هذا في حد ذاته ليس مذمومًا؛ لأنه قد يَستغرق الإنسان في التعبد إلى درجة أنَّه لا يشعر بمن حوله، وهذا الاستغراق في التعبد وفق ما أمر الله سبحانه وتعالى به وعلى طريقة النبي -صلى الله عليه وسلم- في العبادة ليس فيه إشكال، كما يروى عن بعض الصالحين: أنه كان يصلي في المسجد وسقط الجدار فيه، وفَزع أهل السوق لصوت سقوط الجدار، وهو قائم يصلي في المسجد لم يَنتبه لذلك من خشوعه في صلاته.

ولكن الطامة أن يُعَرَّف الفناء بأنه: اختفاء عن الأمور الظاهرية؛ لاندماجه بها، وأن هذه هي حقيقة الألوهية، كما يقول دعاة وحدة الوجود.

قال ابن تيمية: "فَإِنْ الفناء ثَلَاثَة أَنْواع:

نوع للكاملين من الأَنْبِيَاء والأولياء.

ونَوع للقاصدين من الأَوْلِيَاء والصَّالِحِينَ.

ونَوع لِلمُنَافِقين المُلحِدِينَ المشبهين.

فَأَما الأول: فَهُو الفناء عَنْ إِرَادَة مَا سوى الله؛ بِحَيْثُ لَا يُحب إِلَّا الله، ولَا يعبد إِلَّا إِيَّاه، ولَا يتوكل إِلَّا عَلَيْهِ، ولَا يطْلب من غَيره. وهُو المَعْنى الَّذِي يجب أَنْ يقْصد بقول الشَّيْخ أبي يزِيد؛ حَيْثُ قَالَ: (أُرِيد ألَّا أُرِيد إِلَّا مَا يُرِيد)، أَي: المُرَاد المحبوب المرضي، وهُو المُرَاد بالإرادة الدِّينِيَّة. وكَمَال العَبْد: أَلا يُرِيد ولَا يُحب ولَا يرضى إِلَّا مَا أَرَادَهُ الله ورَضِيَه وأحبه، وهُو مَا أَمر بِهِ أَمر إِيجَاب أَوْ اسْتِحْبَاب، ولَا يُحب إِلَّا مَا يُحِبهُ الله؛ كالملائكة والأنبياء والصَّالِحِينَ، وهَذَا معنى قَوْلهم فِي قَوْله: {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشُّعَرَاء الآية: ٨٩]، قَالُوا: هُو السَّلِيم مِمَّا سوى الله، أَوْ مِمَّا سوى عبَادَة

<<  <  ج: ص:  >  >>