الشرح
"وَالنَّاسُ فِي الشَّرْعِ وَالْقَدَرِ عَلَى " أَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ "
الصنف الأول: فَشَرُّ الْخَلْقِ مَنْ يَحْتَجُّ بِالْقَدَرِ لِنَفْسِهِ وَلَا يَرَاهُ حُجَّةً لِغَيْرِهِ يَسْتَنِدُ إلَيْهِ فِي الذُّنُوبِ والمعائب وَلَا يَطْمَئِنُّ إلَيْهِ فِي الْمَصَائِبِ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: أَنْتَ عِنْدَ الطَّاعَةِ قَدَرِيٌّ وَعِنْدَ الْمَعْصِيَةِ جَبْرِيٌّ أَيُّ مَذْهَبٍ وَافَقَ هَوَاك تَمَذْهَبْت بِهِ.
الصنف الثاني: وَبِإِزَاءِ هَؤُلَاءِ خَيْرُ الْخَلْقِ الَّذِينَ يَصْبِرُونَ عَلَى الْمَصَائِبِ وَيَسْتَغْفِرُونَ مِنْ المعائب كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَاصْبِرْ إنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [غافر الآية: ٥٥]، وَقَالَ تَعَالَى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٢٢) لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} [الحديد الآيات: ٢٢ - ٢٣]، وَقَالَ تَعَالَى {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: هُوَ الرَّجُلُ تُصِيبُهُ الْمُصِيبَةُ فَيَعْلَمُ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَيَرْضَى وَيُسَلِّمُ. قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ إذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران الآية: ١٣٥]. وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ لَمَّا فَعَلَ مَا فَعَلَ قَالَ {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف الآية: ٢٣]، وَعَنْ إبْلِيسَ أَنَّهُ قَالَ {بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر الآية: ٣٩]، فَمَنْ تَابَ أَشْبَهَ أَبَاهُ آدَمَ وَمَنْ أَصَرَّ وَاحْتَجَّ بِالْقَدَرِ أَشْبَهَ إبْلِيسَ.
وَالْحَدِيثُ الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي احْتِجَاجِ آدَمَ وَمُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ لَمَّا قَالَ لَهُ مُوسَى. ((أَنْتَ آدَمَ أَبُو الْبَشَرِ خَلَقَك اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيك مِنْ رُوحِهِ وَعَلَّمَك أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ لِمَاذَا أَخْرَجْتنَا وَنَفْسَك مِنْ الْجَنَّةِ؟ فَقَالَ لَهُ آدَمَ: أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاك اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلَامِهِ وَخَطَّ لَك التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute